02‏/05‏/2008

الإيجاد في بيان أن قول الصحابي ليس بحجة فيما يجوز فيه الاجتهاد

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعـده ، وعلى آله وصحبه ، أما بعد : فالصحابة خير هذه الأمة بعد النبي محمد r ،وقد قال الله فيهم : ﴿ ُّمحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً ﴾[1] ،وقد شهد النبي r للصحابة بالخيرية فقال : « خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم »[2]وهم الذين جعلهم الله سبب في نشر دينه ،وحفظه ، وقد اختارهم الله لمرافقة النبي r في إقامته وسفره ، وقد سمعوا أقواله r ،وشاهدوا أفعاله لذلك هم أعرف هذه الأمة بربها ، وأعلم الناس بسنة نبيها r ، والغالب في قول الصحابي فيما يجوز فيه الاجتهاد أن يكون قوله مما سمعه من النبي r ،ولكنه لم يصرح بالسماع من النبي r أو أن يكون قد سمعها ممن سمعها من النبي r أو يكون مما علمه بمشاهدته لأفعال النبي r أو تقريراته ، ولم يصرح بالمشاهدة أو يكون بمجموع ما حصله من العلوم بطول صحبته للنبي r ومشاهدة أفعاله وأحواله وسيرته وسماع كلامه ، والصحابي عدل عالم باللغة وبأصول الاجتهاد ، وكل هذا يدل على أن اجتهاده أولى من اجتهاد غيره ،ولا تدل هذه الأدلة أن قوله حجة فمَنْ يَجُوزُ عَلَيْهِ الخطأ وَالسَّهْوُ وَلَمْ تَثْبُتْ عِصْمَتُهُ من الخطأ والسهو فَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِهِ ، فَكَيْفَ يُحْتَجُّ بِقَوْلِ الصحابة مع احترامهم وتقديرهم مَعَ جَوَازِ الْخَطَأِ منهم ؟ وَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ عصمتهم ،وهم يَجُوزُ عَلَيْهِمْ الِاخْتِلَافُ ؟ وَكَيْفَ يَخْتَلِفُ الْمَعْصُومَانِ ؟ ، وهذا بحث مختصر في بيان عدم حجية قول الصحابي فيما يجوز فيه الاجتهاد مع تسليمنا بأن قوله أولى من قول غيره فأسأل الله أن يرشدنا إلى الصواب إنه ولي ذلك والقادر عليه .
[1] - سورة الفتح الآية 29
[2 ] - رواه البخاري في صحيحه 2/ 938 رقم 2509 ( الناشر : دار ابن كثير ، اليمامة – بيروت الطبعة الثالثة ، 1407هـ - 1987 م ) ورواه مسلم في صحيحه 4/ 1962 رقم 2533 ( دار إحياء التراث العربي بيروت تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي )
يتبع بالتعليقات

هناك 37 تعليقًا:

د/ ربيع أحمد يقول...

الفصل الأول : تعرف الصحابي و تحرير محل النزاع :

المطلب الأول : تعريف الصحابي :

الصحابي لغة : منسوب إلى الصحابة ،وهي مصدر صحبَ يَصحُبُ صُّحبَةً بمعنى لازم ملازمةً و رافق مرافقةً وعاشر معاشرة ،والصاحب هو المعاشر ، أو المنقاد ، أو المجالس ، أو المشايع ، أو المرافق ، أو القائم على الشيء ، أو الحافظ له . ويطلق ايضا على كل من تقلد مذهباً ، فيقال : اصحاب الامام جعفر ، وأصحاب أبي حنيفة ، وأصحاب الشافعي ... إلخ . ويقال : اصطحب القوم أي صحب بعضهم بعضاً ، واصطحب البعير أي انقاد له[1] ..،والصحابي اصطلاحاً عند جمهور علماء الأصول : كل من آمن بالنبي r ، وصحبه وطالت صحبته له ، ومات على الإسلام فخرج بقولنا : (( آمن بالنبي r )) من لقى النبي r قبل بعثته أو لقيه ،وهو كافر ، ولم يسلم في حياته r ،وإن أسلم بعد وفاته r ،وخرج به أيضا من أسلم ظاهرا وكان منافقا ، وخرج بقولنا : (( وطالت صحبته له )) من لقيه مرة أو مرتين أو رآه من بُعد ، وخرج بقولنا : (( ومات على الإسلام )) من اسلم ثم ارتد ، ومات على الكفر[2] .




[1] - انظر القاموس المحيط للفيروز آبادي 1/ 91 ( الطبعة الأميرية الثالثة 1301هـ ) و لسان العرب لابن منظور 1/519 ( الناشر : دار صادر بيروت 1414هـ -1994م )،والمصباح المنير للفيومي ص127 ( الناشر مكتبة لبنان 1990م )،و المعجم الوسيط مادة صحب
[2]- انظر الواضح في أصول الفقه للدكتور محمد سليمان الأشقر ص 131-132 ( دار النفائس عمان الأردن دار السلام القاهرة الطبعة الأولى 1422هـ - 2001 م ) والوجيز في أصول الفقه للدكتور عبد الكريم زيدان ص 260 ( مؤسسة الرسالة الطبعة السابعة 1421هـ 2000 م )، والوجيز في أصول الفقه للدكتور وهبة الزحيلي ص 105 ( دار الفكر بيروت الإعادة الحادية عشر 1427هـ - 2006م ) ، وقول الصحابي عند الأصوليين للدكتور على جمعة ص 9 ( دار الرسالة القاهرة الطبعة الأولى 1425هـ - 2004م )

د/ ربيع أحمد يقول...

المطلب الثاني : تحرير محل النزاع :

المطلب الثاني : تحرير محل النزاع :

المراد بقول الصحابي قول الصحابي الذي لم يعرف اشتهاره ولم يخالفه غيره، وكان في المسائل الاجتهادية فقد اتفق العلماء على الأخذ بقول الصحابي فيما لا مجال للرأي أو الاجتهاد فيه؛ لأنه من قبيل الخبر التوقيفي عن النبي r ،و لا خلاف فيما أجمع عليه الصحابةصراحة ، أو قول صحابي إذا اشتهر في مسألة عمت بها البلوى واحتاج إليها الناس ،ولم ينكر باقي الصحابة عليه فهذا إقراراً منهم على هذا القول ،ولا خلاف في أن قول الصحابي الاجتهادي ليس حجة على صحابي آخر ؛ لأنالصحابةاختلفوا في كثير من المسائل [1]، وإنما الخلاف في فتوى الصحابي بالاجتهاد المحض بالنسبة لمن بعده ، هل يعتبرحجة شرعية أم لا ، حيث اختلف الأصوليون في ذلك على أقوال كثيرة ترجع لقولين : القول الأول: حجة قول الصحابي ،وتقديمه على القياسمطلقا، وإليه ذهب أكثر الحنفية، والإمام مالك وأصحابه، وهو مذهب الشافعي في القديم،وبه قال الإمام أحمد في الرواية الثانية عنه، واختاره ابن قدامة، وهو مذهب أبي عليالجبائي من المعتزلة[2] القول الثاني: قول الصحابي ليسبحجة مطلقا، وإليه ذهب الإمام الشافعيفي القول الجديد، وجمهور الشافعية ، وبهقال أبو الحسن الكرخي وأبو زيد الدبوسي من الحنفية، وابن الحاجب من المالكية، وبهقال الإمام أحمد في إحدى الروايات عنه واختاره أبو الخطاب وابن عقيل والفخر إسماعيل وهو مذهب جمهور المعتزلة واختاره الشوكاني والغزالي والآمدي من الشافعية [3] .




[1]- انظر الإحكام للآمدي 4/ 155 ( دار الكتاب العربي بيروت 1404هـ الطبعة الأولى تحقيق : الدكتور سيد الجميلي ) المدخل إلي مذهب الإمام أحمد لابن بدران ص 290 ( مؤسسة الرسالة بيروت 1401هـ الطبعة الثانية تحقيق : الدكتور عبد الله التركي ) وعلم أصول الفقه للدكتور محمد الزحيلي ص 58 ( دار القلم الطبعة الأولى 1425هـ 2004م ) و الوجيز في أصول الفقه للدكتور وهبة الزحيلي ص 105
[2] - انظر أصول السرخسي 2/110 ( الناشر : دار المعرفة بيروت 1372هـ ) و التبصرة في أصول الفقه لأبي إسحاق الشيرازي ص 395 ( الناشر : دار الفكر دمشق 1403هـ الطبعة الأولى تحقيق محمد حسن هيتو ) ،وفواتح الرحموت لابن نظام الأنصاري 2/186 ( طبع على هامش المستصفى للغزالي المطبعة الأميرية ببولاق 1322هـ )
[3] - انظر التبصرة في أصول الفقه لأبي إسحاق الشيرازي ص 395 و الإحكام للآمدي 4/ 155 و المسودة لآل تيمية وآخرون ص 337 ( مطبعة المدني 1983م )

د/ ربيع أحمد يقول...

الفصل الثاني : أدلة المحتجين بقول الصحابي ومناقشتها : الدليل الأول :

الدليل الأول :
قوله تعالى : ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ﴾ [1]أخبر سبحانه و تعالى أنه جعل الصحابة أمةً خياراً عدولاً ،وهذا حقيقة الوسط . فهم خير الأمم وأعدلها في أقوالهم وأعمالهم وإراداتهم و نياتهم ،والشهادة تشمل الشهادة على الأمم والشهادة على أحكام أعمالهم، والشهيد قوله مقبول فإذا كان مقبولا على أعمال الناس فهو مقبول على أحكام الأعمال من الحل والحرمة وغير ذلك .

مناقشة الاستدلال :
الآية ليست نصا في حجية المخاطبين بالآية ،والخطاب في الآية على التسليم بقولكم أن المخاطب به الصحابة فالخطاب لمجموعهم ،ولا يلزم من كون ما أجمعوا عليه حجة أن يكون قول الواحد والاثنين منهم حجة ، وكلمة ( وسطا ) لها عدة معاني ، فقد يعني الوسط : العدل أوالخيرية أو مجانبة الغلو فيكون المراد ما شرعه الله من الدين وسط لا إفراط فيه ،ولا تفريط فتكون وسطا بهذا المعنى ، و مجرد العدالة لا يوجب كون كل ما يصدر عن الواحد منهم من السنة ،و إلا لعممنا الحكم إلى كل عادل سواء كان صحابيا أم غير صحابي، وغاية ما تقتضيه العدالة أن الصحابة عندهم ملكة في أنفسهم تحملهم على ملازمة التقوى والمروءة والتقوى وامتثال أوامر الله واجتناب نواهيه من كفر أو فسق أو بدعة فلا يرتكبون كبيرة ،ولا يصرون على صغيرة مع تحليهم بمحاسن الأخلاق وجميل العادات ، أما مطابقة ما يصدر عنهم للأحكام الواقعية ليكون سنة، فهذا أجنبي عن مفهوم العدالة تماما ،و لا تلازم بين صدور العمل الصالح ، وبين استقامة الشخص في بقيّة أعماله ، فضلا عن عصمته وإمامته في الدين ، وهل الصحابة فقط هم الذين يشهدون على الأمم أم كل الأمة ؟ وقبول شهادة شخص على شيء لا يستلزم حجية هذا الشخص .



[1]- سورة البقرة من الآية 143

د/ ربيع أحمد يقول...

الدليل الثاني : ﴿ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ ﴾[1]فقد دلت هذه الآية على أن الصحابة كانوا يأمرون بالمعروف , والأمر بالمعروف يجب إتباعه فأقوالهم و أوامرهم يجب إتباعها ،وقد شهد لهم الله بأنهم يأمرون بكل معروف وينهون عن كل منكر فلو كانت الحادثة في زمانهم لم يفت فيها إلا من أخطأ منهم لم يكن أحد منهم قد أمر فيها بمعروف ولا نهى فيها عن منكر ..

مناقشة الاستدلال :

الآية ليست نصا في حجية المخاطبين فقد وردت في مقام التفضيل لا مقام جعل الحجية لكل ما يصدر عن المخاطبين من أقوال وأفعال وتقريرات ،والتفضيل من جهة تشريع الأمر بالمعروف لهم ،والنهي عن المنكر، كما هو ظاهر من قوله تعالى بعدما ذكر خيريتها : ( تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ )، فلا تكون الآية قد وردت في مقام جعل الحجية لأقوالهم أصلا ، ولو سلمنا بأن الآية قد وردت في مقام حجية المخاطبين فهو دليل عام في الأمة الإسلامية فلا يختص بالصحابة دون من بعدهم ،والقول بأنهم المخاطبون به الصحابة على الخصوص لايصح فالنهي عن المنكر ،والأمر بالمعروف لا يختص بالصحابة دون غيرهم، قال ابن كثير: ( والصحيح أن هذه الآية عامة في جميع الأمة )[2]وعلى التسليم بقولكم : أن المخاطب به الصحابة فالخطاب لمجموع الصحابة ،ولا يلزم من كون ما أجمعوا عليه حجة أن يكون قول الواحد والاثنين منهم حجة .




[1]- سورة آل عمران من الآية 110
[2]- من تفسير ابن كثير للآية رقم 110 من سورة آل عمران

د/ ربيع أحمد يقول...

الدليل الثالث :
قوله تعالى : ﴿ َوالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ﴾[1]فقد مدح الله الذين يتبعون الصحابة فكان إتباعهم في هديهم أمر يتوجب المدح ،وليس أخذ كلامهم على أنه حجة إلا نوع من الإتباع.

مناقشة الاستدلال :
الآية ليست نصا في حجية قول الصحابي فقد اختلف المفسرون في المراد بالتابعين مختلف ،وقال الطبري في معنى قوله تعالى : ﴿وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ ﴾ : ( والذين سَلَكوا سبيلهم في الإيمان بالله ورسوله، والهجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام ، طلبَ رضا الله )[2] وقال ابن كثير : ( فالتابعون لهم بإحسان هم المتبعون لاثارهم الحسنة وأوصافهم الجميلة الداعون لهم في السر والعلانية )[3] ، وقال البغوي : ( قيل : هم بقية المهاجرين والأنصار سوى السابقين الأولين . وقيل : هم الذين سلكوا سبيلهم في الإيمان والهجرة أو النصرة إلى يوم القيامة )[4] ، وقال أبو بكر الجزائري : ( في أعمالهم الصالحة )[5]، ،وقال ابن عثيمين : ( اتبعوا طريقتهم في أنهم يتلقون من كتاب الله وسنة رسوله r ، ولا يعدلون بقول الله ورسوله قول أحد من الناس )[6] والمراد بقوله ﴿وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ ﴾ أي الذين يتبعوهم بنوع من الإحسان في الاتباع ؛ لأن كلمة إحسان نكرة ، والنكرة لا تفيد العموم ،وعلى هذا يكون الاتباع مقيد بالحق فيقتدون بهم فيما وافق الكتاب والسنة ،وكل من وافق قوله الكتاب والسنة يجب الأخذ به لا لأن قوله حجة بل لأن قوله هو الموافق للكتاب والسنة ،ولو كان الأخذ بقولهم مطلقا ما قيد بموافقة الكتاب والسنة .




[1] - سورة التوبة من الآية 100
[2]- تفسير الطبري 14/434 الناشر : مؤسسة الرسالة الطبعة : الأولى ، 1420 هـ - 2000 م المحقق : أحمد محمد شاكر
[3] - تفسير ابن كثير لآية 100 من سورة التوبة
[4] - تفسير البغوي 4/88 الناشر : دار طيبة للنشر والتوزيع الطبعة : الرابعة ، 1417 هـ - 1997 م
[5]- أيسر التفاسير لأبي بكر الجزائري لآية 100 من سورة التوبة
[6]- شرح الأصول من علم الأصول لابن عثيمين ص 372 المكتبة التوفيقية

د/ ربيع أحمد يقول...

الدليل الرابع :
قوله تعالى : ﴿ اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُم مُّهْتَدُونَ ﴾[1] أي اتبعوا الذين لا يطلبون منكم أموالا على إبلاغ الرسالة, وهم مهتدون فيما يدعونكم إليه من عبادة الله وحده. وفي هذا بيان فضل مَن سعى إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر[2] ، واستدلوا أيضا بقوله تعالى : ﴿ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ﴾[3]أي اتبع سبيل من رجع إلي بالطاعة قالوا : و أول الأمة رجوعا إلى الله بعد النبي r هم الصحابة ، فكل من الصحابة منيب إلى الله . فيجب اتباع سبيله. وأقواله واعتقاداته من أكبر سبيله بنص الآية ، واستدلوا بقوله تعالى : ﴿ قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾[4] قالوا : أخبر الله أن النبي r يدعو إلى الله على بصيرة ، و من اتبعه يدعو إلى الله على بصيرة . ومن دعا إى الله على بصيرة ، وجب اتباعه ؛ لقوله تعالى فيما حكاه عن الجن ورضيه : ﴿َيا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ ﴾[5]وإن كان يدخل في الآية غير الصحابة إلا أن دخول الصحابة في هذه الآية دخول أولي ،واستدلوا بقوله تعالى : ﴿ وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ ﴾[6] ، وإذا كانوا قد أوتوا العلم الذي بعث الله به نبيه كان اتباعهم واجباً .


مناقشة الاستدلال :

هذه الآيات عامة في الصحابة وغيرهم فهي تشمل كل من اتصف بالصفات التي فيها سواء كانوا من الصحابة أو من غير الصحابة ، و قولهم بأن الصحابة المقصودون تخصيص للآيات بلا مخصص ،وإذا كان المطلوب أخص من الدليل لم يصح الاستدلال به[7]



[1] - سورة يس الآية 21
[2] - التفسير الميسر تفسير آية رقم 21 من سورة يس
[3]- سورة لقمان من الآية رقم 15
[4]- سورة يوسف من الآية 108
[5] - سورة الأحقاف من الآية 31
[6] - سورة سبأ من الآية 6
[7]- انظر قول الصحابي عند الأصوليين للدكتور على جمعة ص 66 دار الرسالة القاهرة الطبعة الأولى 1425هـ - 2004م

د/ ربيع أحمد يقول...

الدليل الخامس :
حديث : « أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم » وهذا الحديث يدل على أن الناس والاقتداء بأي واحد من الصحابة طريق للهداية والرشاد.

مناقشة الدليل :

هذا الحديث لا يثبت سنده ،ولا يصلح للاحتجاج فلا تقوم به حجة فقد قال البزار : ( هذا الكلام لم يصح عن النبي r )[1] ،وقال ابن حزم : هذا لا يصح )[2] و قال الألباني : موضوع[3] .




[1] - التلخيص الحبير لابن حجر 4/191 ( المدينة المنورة 1384 هـ - 1964م تحقيق : السيد عبدالله هاشم اليماني )
[2] - الأحكام لابن حزم 6/810 ( مطبعة العاصمة القاهرة تحقيق أحمد شاكر )
[3] - السلسلة الضعيفة والموضوعة للألباني 1/144 حديث رقم 58 و 1/149رقم 61

د/ ربيع أحمد يقول...

مناقشة الاستدلال :

مقتضى الحديث على قولكم أَنه إذا كان صحابيان أَحدهما يقول هذا حرام والآخر يقول هذا حلال أَن الكل هدى ،و هذا تناقض ، بل أَحدهما هدى وأَما الآخر فقد اجتهد فأخطأ ، والمعروف عند المحققين أَن الحق واحد قال تعالى : ﴿ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً ﴾[1] فقد أخبر الله تعالى أن الاختلاف ليس من عنده ، و ما لم يكن من عنده تعالى فهو باطل ، وهذا يستلزم أن الحق واحد ضرورة ، وقد قال r : « إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران ،وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد »[2] فقد أبطل رسول الله r حكم الحاكم الخطأ ،ولم يبطل أجره ، ولو كان كل مجتهد مصيبا ما أخطأ مجتهد ، وقد سماه الرسول r مخطئا، ولا يكون مخطئاً إلا أن يخالف ما أمر به ، و قال ابن حزم : ( نص الحديث بكلامه rأن المجتهد يخطئ ، وإذا أخطأ فهذا قولنا لا قولهم ، وليس مأجوراً على خطأه ، والخطأ لا يحل الأخذ به ، ولكنه مأجور على اجتهاده الذي هو حق ؛ لأنه طلب للحق ، وليس قول القائل برأيه اجتهاداً ، وأما خطأه فليس مأجوراً عليه ، لكنه مرفوع في الإثم )[3] ، وقال الآمدى : ( ذلك صريح في انقسام الاجتهاد إلى خطأ وصواب )[4] ، وقال الصنعانى : ( وهذا الحديث صريح فى دلالته على أن المجتهد يكون مصيباً إذا أصاب حكم الله تعالى ،وحينئذ يكون له أجران : أجر الاجتهاد ،وأجر إصابة الحق ، ويكون المجتهد مخطئاً إذا لم يصب حكم الله تعالى ،وحينئذ يكون له أجر واحد ، وهو أجر الاجتهاد)[5] ، و قال ابن حزم : ( قد ظهر أنّ هذه الرواية لا تثبت أصلاً إذ منالمحال أن يأمر رسول اللّهباتباع كلّ قائل من الصحابة ، وفيهم من يحلل الشيء ، وغيرهمنهم يحرّمه )[6]،و قال أيضا : ( من المحال الممتنع الذي لا يجوز البتة، أن يكون عليه السلام يأمر باتباع ما قد أخبر أنه خطأ ، فيكون حينئذ أمر بالخطأ، تعالى الله عن ذلك ، وحاشا له r من هذه الصفة ، وهو عليه السلام قد أخبر أنهم يخطئون، فلا يجوز أن يأمرنا باتباع من يخطئ )[7] ،و ( نقول ) تشبيه الصحابة بالنجوم لا يقتضي القول بحجيتهم ، وغاية مافيه أنهم أهل للاقتداء لشدة حرصهم على اتباع الشريعة [8] ،و الاقتداء بهم يكون في الجري على طريقهم في طلب الصواب في الاحكام لا في تقليدهم ،و قد كانت طريقتهم العمل بالرأي والاجتهاد ، ألا ترى أنه شبههم بالنجوم وإنما يهتدي بالنجم من حيث الاستدلال به على الطريق بما يدل عليه لا أن نفس النجم يوجب ذلك .




[1] - النساء من الآية 82
[2] - رواه البخارى فى كتاب الاعتصام رقم 7352، ومسلم فى كتاب الأقضية رقم 1716
[3] - الإحكام فى أصول الأحكام لابن حزم 5/648 طبع تحت إشراف الشيخ أحمد شاكر مكتبة العاصمة
[4] - الأحكام للآمدى 4/184 المكتب الإسلامى
[5] - سبل السلام للصنعانى 4/118
[6] - الأحكام لابن حزم 5/244.
[7]- الأحكام لابن حزم 5/642
[8] - انظر مصادر التشريع الإسلامي للدكتور أنور محمود دبور ص 245 دار الثقافة العربية الطبعة الثانية 1427هـ - 2006م

د/ ربيع أحمد يقول...

مناقشة الاستدلال :

مقتضى الحديث على قولكم أَنه إذا كان صحابيان أَحدهما يقول هذا حرام والآخر يقول هذا حلال أَن الكل هدى ،و هذا تناقض ، بل أَحدهما هدى وأَما الآخر فقد اجتهد فأخطأ ، والمعروف عند المحققين أَن الحق واحد قال تعالى : ﴿ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً ﴾[1] فقد أخبر الله تعالى أن الاختلاف ليس من عنده ، و ما لم يكن من عنده تعالى فهو باطل ، وهذا يستلزم أن الحق واحد ضرورة ، وقد قال r : « إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران ،وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد »[2] فقد أبطل رسول الله r حكم الحاكم الخطأ ،ولم يبطل أجره ، ولو كان كل مجتهد مصيبا ما أخطأ مجتهد ، وقد سماه الرسول r مخطئا، ولا يكون مخطئاً إلا أن يخالف ما أمر به ، و قال ابن حزم : ( نص الحديث بكلامه rأن المجتهد يخطئ ، وإذا أخطأ فهذا قولنا لا قولهم ، وليس مأجوراً على خطأه ، والخطأ لا يحل الأخذ به ، ولكنه مأجور على اجتهاده الذي هو حق ؛ لأنه طلب للحق ، وليس قول القائل برأيه اجتهاداً ، وأما خطأه فليس مأجوراً عليه ، لكنه مرفوع في الإثم )[3] ، وقال الآمدى : ( ذلك صريح في انقسام الاجتهاد إلى خطأ وصواب )[4] ، وقال الصنعانى : ( وهذا الحديث صريح فى دلالته على أن المجتهد يكون مصيباً إذا أصاب حكم الله تعالى ،وحينئذ يكون له أجران : أجر الاجتهاد ،وأجر إصابة الحق ، ويكون المجتهد مخطئاً إذا لم يصب حكم الله تعالى ،وحينئذ يكون له أجر واحد ، وهو أجر الاجتهاد)[5] ، و قال ابن حزم : ( قد ظهر أنّ هذه الرواية لا تثبت أصلاً إذ منالمحال أن يأمر رسول اللّه باتباع كلّ قائل من الصحابة ، وفيهم من يحلل الشيء ، وغيرهمنهم يحرّمه )[6]،و قال أيضا : ( من المحال الممتنع الذي لا يجوز البتة، أن يكون عليه السلام يأمر باتباع ما قد أخبر أنه خطأ ، فيكون حينئذ أمر بالخطأ، تعالى الله عن ذلك ، وحاشا له r من هذه الصفة ، وهو عليه السلام قد أخبر أنهم يخطئون، فلا يجوز أن يأمرنا باتباع من يخطئ )[7] ،و ( نقول ) تشبيه الصحابة بالنجوم لا يقتضي القول بحجيتهم ، وغاية مافيه أنهم أهل للاقتداء لشدة حرصهم على اتباع الشريعة [8] ،و الاقتداء بهم يكون في الجري على طريقهم في طلب الصواب في الاحكام لا في تقليدهم ،و قد كانت طريقتهم العمل بالرأي والاجتهاد ، ألا ترى أنه شبههم بالنجوم وإنما يهتدي بالنجم من حيث الاستدلال به على الطريق بما يدل عليه لا أن نفس النجم يوجب ذلك .




[1] - النساء من الآية 82
[2] - رواه البخارى فى كتاب الاعتصام رقم 7352، ومسلم فى كتاب الأقضية رقم 1716
[3] - الإحكام فى أصول الأحكام لابن حزم 5/648 طبع تحت إشراف الشيخ أحمد شاكر مكتبة العاصمة
[4] - الأحكام للآمدى 4/184 المكتب الإسلامى
[5] - سبل السلام للصنعانى 4/118
[6] - الأحكام لابن حزم 5/244.
[7]- الأحكام لابن حزم 5/642
[8] - انظر مصادر التشريع الإسلامي للدكتور أنور محمود دبور ص 245 دار الثقافة العربية الطبعة الثانية 1427هـ - 2006م

د/ ربيع أحمد يقول...

الدليل السادس : قوله صلى الله عليه وسلم : « خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم » قالوا : أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن خير الناس قرنه مطلقاً . وذلك يقتضي تقديمهم في كل بابٍ من أبواب الخير . و إلا لو كانوا خيراً من بعض الوجوه فلا يكونون خير الناس مطلقاً . فلو جاز أن يخطئ الرجل منهم في حكم و سائرهم لم يفتوا بالصواب ،وإنما ظفر بالصواب من بعدهم و أخطأوا هم لزم أن يكون ذلك القرن خيراً منهم من ذلك الوجه لأن القرن المشتمل على الصواب خير من القرن المشتمل على الخطأ في ذلك الفن .
مناقشة الاستدلال :
لا تلازم بين فضل مقام الصحبة وعظم شأنه وبين جعل أقوالهم حجة في دين الله ،وكون الصحابة خير القرون لا يستلزم أن يكون ما قالوه حجة علينا يجب الالتزام بها فهذا أجنبي عن الكلام ، والمقصود بالخيرية في الحديث جنس الخيرية فعصر الصحابة إجمالا أفضل من غيره من العصور إجمالا أي ليس في كل الوجوه ففي مجال تدوين الحديث اعتبر العلماء القرن الثالث الهجري أزهى عصور السنة وأوفاها وأشملها و أفضلها بالجمع والتدوين ، ففيه دونت الكتب الستة التي اعتمدتها الأمة فيما بعد ، وفيه ظهر أئمة الحديث وجهابذته ، وفيه نشطت رحلة العلماء في طلب الحديث ، ولذلك جعل كثير من أهل العلم هذا القرن الحدَّ الفاصل بين المتقدمين والمتأخرين من نقاد الحديث ،وفي مجال أصول الفقه يعتبر أواخر القرن الثالث الهجري حتى نهاية القرن الخامس ،و أوائل السادس أزهي العصور في علم أصول الفقه ،وهي ممثلة في كتب الغزالي الثلاثة : شفاء الغليل والمنخول والمستصفى ،وكتاب العمد للقاضي عبد الجبار المعتزلي وكتاب المعتمد لأبي الحسين البصري وكتاب الرهان للجويني وكتاب المحصول للرازي وكتاب الإحكام في أصول الأحكام للآمدي .

د/ ربيع أحمد يقول...

الدليل السابع :
قوله r : «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله»[1]،وهذا يدل على أن قول الحق لا يخفى فلا يخرج الحق منهم الى عصر آخر من العصور فلا يجوز إحداث قول ثالث خلافهم ولا الخروج عن قول الواحد منهم اذا لم يكن له مخالف ويكون الحق في غير عصرهم ؛ لأن الله كتب الظهور للحق لذلك لايمكن أن يكون الحق مخفي في عصرهم أبدا.


[1]- رواه البخاري في صحيحه رقم 6/2667 رقم 6881 ،ورواه مسلم في صحيحه 3/1523 رقم 1920

د/ ربيع أحمد يقول...

مناقشة الاستدلال :

معنى الحديث مختلف فيه فالبعض قال لا تزال طائفة من الأمة ظاهرة على الحق إلى أن تقوم الساعة وهم العلماء[1]،وقال السرخسي : ( في قوله لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من ناوأهم فلا بد من أن تكون شريعته ظاهرة في الناس إلى قيام الساعة ،و قد انقطع الوحي بوفاته فعرفنا ضرورة أن طريق بقاء شريعته عصمة الله أمته من أن يجتمعوا على الضلالة فإن في الاجتماع على الضلالة رفع الشريعة وذلك يضاد الموعود من البقاء )[2] وآخرون قالوا المقصود الجهاد في سبيل الله فقد بينته الروايات الأخرى قال الشوكاني : قد ورد تعيين هذا الأمر الذي يتمسكون به ويظهرون على غيرهم بسببه فأخرج مسلم من حديث عقبة مرفوعا : «لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون عن أمر الله قاهرين لعدوهم لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك » )[3] ،وغاية ما في الحديث أن النبي r أخبر عن طائفة من أمته يتمسكون بالحق ،ويظهرون على غيرهم أي هناك من تمسك بالباطل ،وهناك من تمسك بالحق فهناك رأي صحيح وهناك رأي خطأ فأين هذا من محل النزاع الذي هو حجية مذهب الصحابي ؟ وعلى التسليم بهذا القول فمنأين نعلم أن قول الصحابي هو المصيب ، والقول الآخر هو الخطأ ؟




[1]- أدب المفتي والمستفتي للشهروزي 1/ 184( الناشر : مكتبة العلوم والحكم , عالم الكتب – بيروت الطبعة الأولى ، 1407 هـ تحقيق : د. موفق عبد الله عبد القادر )
[2]- أصول السرخسي 1/300 دار الكتب العلمية بيروت الطبعة الأولى 1414هـ - 1993م تحقيق أبي الوفاء الأفغاني
[3]- إرشاد الفحول للشوكاني 1/110

د/ ربيع أحمد يقول...

وأيضا الحديث يدلّ على وجود القائم بالحقّ بين الاَُمّة في كلّ الاَزمنةوالاَعصار لا الناطق بالحقّ ، وشتان ما بين القائم بالحقّ والناطق بالحقّ ، والقائم بالحقّ بطبيعة الحال يكون ناطقاً، ولكن ربما يكون ساكتا لأنه رأى القول الآخر قولا سائغا ،وإن لم يكن موافقا عليه بل يعتقده خطأ أو يسكت وهو منكر ،وينتظر فرصة الإنكار ،ولا يرى البدار مصلحة لعارض من العوارض ينتظر زواله ثم يموت قبل زوال هذا العارض أو يشتغل عنه أو لأنه يعتقد أن كل مجتهد مصيب ،وأسباب السكوت كثيرة ، فلا يكون سكوت باقي الصحابة دليلاً على إصابة الصحابي الناطق بمذهبه إلا إذا ظهر علامة الرضا من الصحابة والإقرار ،ومعلوم أن الأمة لا تجتمع على باطل ،وهذا يصدق في حق عصر الصحابة وعصر التابعين وعصر تابعي التابعين و كل عصور الأمة الإسلامية ،وهل إذا قال تابعي قول في مسألة ،ولم نجد غيره تكلم فيها في عصره أو في عصر الصحابة بموافقة أو مخالفة نقول أن قوله حجة ؛ لأن الأمة لا تجتمع على باطل ؟ وهل إذا قال تابعي التابعين قول في مسألة ،ولم نجد غيره تكلم فيها في عصره أو في عصر الصحابة أو عصر التابعين بموافقة أو مخالفة نقول أن قوله حجة لأن الأمة لاتجتمع على باطل ؟ وهل إذا قال عالم من العلماء قول في مسألة في عصر من العصور بعد عصر تابعي التابعين ،ولم نجد غيره تكلم فيها بموافقة أو مخالفة نقول أن قوله حجة لأن الأمة لاتجتمع على باطل ؟ والمسألة راجعة إلى مسألة حكم الإجماع السكوتي ،والإجماع السكوتي إجماع اعتباري غير حقيقي ؛ لأن الساكت لا جزم بأنه موافق فلا جزم بتحقق الاتفاق وانعقاد الإجماع ، ولهذا اختلف في حجيته فذهب الجمهور إلى أنه ليس حجة ، وأنه لا يخرج عن كونه رأي بعض أفراد المجتهدين[1] ،والراجح ما راه الجمهور من أن السكوت لا يعتبر وفاقا ،ولا خلافا ،ولاينسب لساكت قول[2] ، قال الدمياطي : ( واختار البيضاوي : أنه ليس بإجماع ،ولا حجة ، واختاره القاضي ،ونقله عن الشافعي ،ونقل أنه آخر أقواله ،وأما استدلال الشافعي رضي الله عنه في مسائل بالإجماع السكوتي فأجيب عنه : بأن تلك المسائل ظهرت من الساكتين فيها قرينة الرضا فليست محل النزاع )[3] .



[1] - علم أصول الفقه للشيخ عبد الوهاب خلاف ص 57 ( دار الحديث 1423هـ 2003م )
[2] - أصول الفقه الشيخ محمد الخضري ص 271 دار الحديث الطبعة الأولى 1422هـ 2001م
[3] - حاشية الدمياطي على شرح المحلي على الورقات ص 106 ( دار الفضيلة تحقيق : أحمد مصطفى قاسم )

د/ ربيع أحمد يقول...

الدليل الثامن :
قوله : « عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ . وإياكم ومحدثات الأمور . فإن كل محدثة بدعة . وكل بدعة ضلالة »[1] و قَوْلِهِ r : « اقْتَدُوا بِاَللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ »[2] . وقوله r : « فإن يطيعوا أبا بكر وعمر يرشدوا »[3]فجعل رسول الله r الرشد معلقاً بطاعتهما فلو أفتوا بالخطأ في حكم وأصابه من بعدهم لكان الرشد في خلافهما،وهذا يدل على الإحتجاج بقول الخلفاء ، و باقي الصحابة داخلين فيه بالقياس ،وخص الخلفاء بالأمر بالاقتداء بهم في سيرتهم وعدلهم لكونهم من جملة من يجب الاقتداء بهم .


[1] - سنن أبي داود 2/610 رقم 4607 قال الألباني : صحيح (الناشر : دار الفكر تحقيق : محمد محيي الدين عبد الحميد )
[2] - سنن الترمذي 5/609 رقم 3662 ،و 5/610 رقم 3663 قال الألباني : صحيح ( الناشر : دار إحياء التراث العربي – بيروت تحقيق : أحمد محمد شاكر وآخرون ) وسنن ابن ماجة 1/37 رقم 97 قال الألباني : صحيح ( الناشر : دار الفكر – بيروت تحقيق : محمد فؤاد عبد الباقي ) ومسند أحمد 5/399 رقم 23434 قال شعيب الأرناؤوط : حسن
[3]- رواه مسلم في صحيحه 1/472 رقم 681 ومسند أحمد 5/ 298 رقم 22599

د/ ربيع أحمد يقول...

مناقشة الدليل : قد ظهر اختلاف بين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما في بعض الأحكام ، ومن أمثلة ذلك أن أبا بكر قد ساوى في توزيع الأموال الخراجية وقد فاوت فيها عمر رضي الله عنه ، وكان أبو بكر يرى طلاق الثلاث واحدا ، وعمر كان يرى طلاق الثلاث ثلاثا ، وقد منع عمر المتعتين ، ولم يمنع عنهما أبو بكر فيلزم من تفسير الحديث على هذا المعنى أن يكون الناس مأمورين بالعمل بالمختلفين ،وذلك لا يليق بحال النبيr

د/ ربيع أحمد يقول...

وأيضا لم يظهر من الخلفاء دعاء الناس إلى أقاويلهم ، ولو كان قول الواحد منهم مقدما على الرأي لدعا الناس إلى قوله كما كان رسول الله r يدعو الناس إلى العمل بقوله، وكما كانت الصحابة تدعو الناس إلى العمل بالكتاب والسنة وإلى العمل بإجماعهم فيما أجمعوا عليه ، إذ الدعاء إلى الحجة واجب ، ولأن قول الواحد منهم لو كان حجة لم يجز لغيره مخالفته بالرأي كالكتاب والسنة، وقد رأينا أن بعضهم يخالف بعضا برأيه فكان ذلك شبه الاتفاق منهم على أن قول الواحد منهم لا يكون مقدما على الرأي ،وإن قيل هَذَا الْخِطَابَ للعوام ، وَهُوَ تَخْيِيرٌ لَهُمْ فِي الِاقْتِدَاءِ بِمَنْ شَاءُوا مِنْهُمْ بِدَلِيلِ أَنَّ الصَّحَابِيَّ غَيْرُ دَاخِلٍ فِيهِ إذْ لَهُ أَنْ يُخَالِفَ صَحَابِيًّا آخَرَ ، فَكَمَا خَرَجَ الصَّحَابَةُ بِدَلِيلٍ فَكَذَلِكَ خَرَجَ الْعُلَمَاءُ بِدَلِيلٍ ؛ وَكَيْفَ وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الِاتِّبَاعِ بَلْ عَلَى الِاهْتِدَاءِ إذَا اتَّبَعَ ؟ و لو كان اجتهاد الخلفاء الراشدين حجة فَيَلْزَمْ من هذا تَحْرِيمُ الِاجْتِهَادِ عَلَى باقي الصحابة إذْ أفتى الخلفاء في المسألة ، ومن المعلوم أن باقي الصحابة كَانُوا يُخَالِفُونَ الخلفاء في بعض أقوالهم وَكَانُوا يُصَرِّحُونَ بِجَوَازِ الِاجْتِهَادِ فِيمَا ظَهَرَ لَهُمْ

د/ ربيع أحمد يقول...

وَأيضا إِيجَابُ اتِّبَاعِ كُلِّ وَاحِدٍ من الخلفاء مُحَالٌ مَعَ اخْتِلَافِهِمْ فِي مَسَائِلَ ، لَكِنَّ الْمُرَادَ بِالْحَدِيثِ إمَّا أَمْرُ الْخَلْقِ بِالِانْقِيَادِ وَبَذْلِ الطَّاعَةِ لَهُمْ ، وهذا واضح في قوله صلى الله عليه وسلم : « فإن يطيعوا أبا بكر وعمر يرشدوا »[1]

د/ ربيع أحمد يقول...

وَأيضا إِيجَابُ اتِّبَاعِ كُلِّ وَاحِدٍ من الخلفاء مُحَالٌ مَعَ اخْتِلَافِهِمْ فِي مَسَائِلَ ، لَكِنَّ الْمُرَادَ بِالْحَدِيثِ إمَّا أَمْرُ الْخَلْقِ بِالِانْقِيَادِ وَبَذْلِ الطَّاعَةِ لَهُمْ ، وهذا واضح في قوله صلى الله عليه وسلم : « فإن يطيعوا أبا بكر وعمر يرشدوا »[1]




[1] - رواه مسلم في صحيحه 1/472 رقم 681 ومسند أحمد 5/ 298 رقم 22599

د/ ربيع أحمد يقول...

وأيضا في قوله صلى الله عليه وسلم : (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ) دليل على أن سنة النبي صلى الله عليه وسلم هي هي سنة الخلفاء ،وليست سنة النبي صلى الله عليه وسلم مختلفة عن سنة الخلفاء فهناك تشابه لفظي في قوله صلى الله عليه وسلم : ( سنتي ) وقوله صلى الله عليه وسلم : ( سنة الخلفاء ) ،وعرفت السُنة بالإضافة في قوله صلى الله عليه وسلم : ( سنتي ) وقوله صلى الله عليه وسلم : ( سنة الخلفاء )

د/ ربيع أحمد يقول...

ومن المعروف في اللغة أن الاسمين المكررينعندما يكونا معرفتين.. دل على أن الأول هو نفس الثاني ليدل على المعهود [1].


[1]- انظر الإتقان للسيوطي 1/560 تحت عنوان قاعدة أخرى تتعلق بالتعريف والتنكير

د/ ربيع أحمد يقول...

مثال ذلك قوله تعالى في سورة الفاتحة قوله تعالى : ﴿ اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ ﴾ فالصراط في المَوضع الأول معرفة بأل...والصراط بالثاني معرفة بالإضافة والمراد بالاسم الأول الاسم الثاني.. فصراط الذين أنعمالله عليهم هو نفس الصراط المستقيم . وأيضا قوله تعالى : ﴿ َوقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ..... ﴾[1] فكلمة زينتهن كررت مرتين فالزينة الأولى هي عين الزينة الثانية كما هو معروف في الأسلوب العربي : أنهم إذا ذكروا اسما معرفا ثم كرروه فهو هو

د/ ربيع أحمد يقول...

مثال ذلك قوله تعالى في سورة الفاتحة قوله تعالى : ﴿ اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ ﴾ فالصراط في المَوضع الأول معرفة بأل...والصراط بالثاني معرفة بالإضافة والمراد بالاسم الأول الاسم الثاني.. فصراط الذين أنعمالله عليهم هو نفس الصراط المستقيم . وأيضا قوله تعالى : ﴿ َوقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ..... ﴾[1] فكلمة زينتهن كررت مرتين فالزينة الأولى هي عين الزينة الثانية كما هو معروف في الأسلوب العربي : أنهم إذا ذكروا اسما معرفا ثم كرروه فهو هو


[1] - سورة النور من الآية

د/ ربيع أحمد يقول...

وفي قوله صلى الله عليه وسلم : ( تمسكوا بها وعضوا عليها ) عود الضمير على سنة النبي صلى الله عليه وسلم ،وسنة الخلفاء بلفظ المفرد لا بالتثنية مما يدل على أنهما سنة واحدة ،وهو من باب الجمع بين شيئين اثنين ثم ذكر أحدهما في الكناية دون الآخر والمراد به كلامهما معا فالعرب تقول : رأيت عمراً وزيداً وسلمت عليه ، أي عليهما ، وقال تعالى : ﴿والَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ ﴾[1] وتقدير الكلام : ولا ينفقونهما في سبيل الله ،وقال تعالى : ﴿ وَاللّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ ﴾[2] والمراد يرضوهما وقال تعالى : ﴿وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً ﴾[3] وتقديره : انفضوا إليهما فاكتفى بالضمير الواحد لاتفاق المعنى ؛ كما أن تلازمهما جُعِلا كشيء واحد فعاد إليهما الضمير المفرد

[1] - سورة التوبة من الآية 34
[2] - سورة التوبة من الآية 62
[3] - سورة الجمعة من الآية 11

د/ ربيع أحمد يقول...

و في الحديث الذي نحن بصدده جمع النبي صلى الله عليه وسلم سنته وسنة الخلفاء بضمير واحد مما يوحي بلا شك أنهما من نفس الجنس ،وأنهما في حكم واحد ، وأيضا اتباع سنة الخلفاء له ثلاثة تفسيرات : التفسير الأول : أن يكون اتباع سنتهم منفصلا ومغايرا لاتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم ففي هذه الحال إما أن تنسب إليهم العصمة ، لأن من تساوى أمر اتباعه بأمر اتباع النبي صلى الله عليه وسلم مع اختلاف سنتهما ، يجب أن يكون كالنبي صلى الله عليه وسلم معصوما ، فالسنة وحي بلا ريب والوحي معصوم ، والأمر باتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم هو نفس الأمر باتباع سنة الخلفاء ، إذا تجب عصمتهم . و عند عدم العصمة يكون الأمر باتباع سنة الخلفاء التي يمكن أن يعتريها الخطأ أمرا باتباع الخطأ ، وهذا لا يصح .

د/ ربيع أحمد يقول...

ولكن لا تثبت عصمتهم ولا يؤيدها الحال فقد أخطأ الخلفاء في بعض المسائل فعمر رضي الله عنه الخليفة الراشد وخلفه عثمان رضي الله عنه الخليفة الراشد أيضا يمنعان الناس من التمتع بالحج ،ويعترض على ذلك عمران بن حصين وعلى بن أبي طالب رضي الله عنهما ،وقد جاء التمتع في كتاب الله ،وأمر ربه رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابة ....وعمر رضي الله عنه يخفى عليه حديث الاستئذان ثلاثا ،ويطلب من أبي موسى الأشعري رضي الله عنه البينة[1] ،وهذه بعض ما جانب فيه أحد الخلفاء الصواب فإذا لا يصح القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر باتباعهم مع مغايرة سنتهم لسنته ، وذلك لعدم عصمتهم
[1] - مفاتيح للفقه في الدين للشيخ مصطفى العدوي ص 83 – 86 دار أهل الحديث الطبعة الأولى 1414هـ - 1994م

د/ ربيع أحمد يقول...

والتفسير الثاني أن لا تنسب إلى الصحابة العصمة ، فيكون النبي صلى الله عليه وسلمقد أمر باتباعهم في سنتهم المغايرة لسنته رغم عدم عصمتهم ورغم حتمية وقوعهم في الخطأ والشك والريب .وهذا لا يصح ،والتفسير الثالث: أن يكون اتباع سنة الخلفاء الراشدين هو اتباع لسنة النبي صلى الله عليه وسلم تكون عبارة " وسنة الخلفاء " تدل على شدة حرص هؤلاء الصحابة على الالتزام بالسنة أكثر من غيرهم .

د/ ربيع أحمد يقول...

والتفسير الثاني أن لا تنسب إلى الصحابة العصمة ، فيكون النبي صلى الله عليه وسلمقد أمر باتباعهم في سنتهم المغايرة لسنته رغم عدم عصمتهم ورغم حتمية وقوعهم في الخطأ والشك والريب .وهذا لا يصح ،والتفسير الثالث: أن يكون اتباع سنة الخلفاء الراشدين هو اتباع لسنة النبي صلى الله عليه وسلم تكون عبارة " وسنة الخلفاء " تدل على شدة حرص هؤلاء الصحابة على الالتزام بالسنة أكثر من غيرهم .

د/ ربيع أحمد يقول...

الدليل التاسع :
الإجماع فعندما وَلَّى عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ عَلِيًّا الْخِلَافَةَ بِشَرْطِ الِاقْتِدَاءِ بِالشَّيْخَيْنِ فَأَبَى وَ وَلَّى عُثْمَانَ فَقَبِلَ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ .

مناقشة الدليل :

إنما لم ينكر أحد من الصحابة على عبد الرحمن وعثمان ذلك ؛ لأنهم حملوا لفظ الاقتداء على المتابعة في السيرة والسياسة دون المتابعة في المذهب بدليل الإجماع على أن مذهب الصحابي ليس حجة على غيره من الصحابي المجتهدين كيف وإنه لو كان المراد بشرط الاقتداء بهما المتابعة في مذهبهما فالقائل بأن مذهب الصحابي حجة قائل بوجوب اتباعه والقائل أنه ليس بحجة قائل بتحريم اتباعه على غيره من المجتهدين ويلزم من ذلك الخطأ بسكوت الصحابة عن الإنكار إما على علي حيث امتنع من الاقتداء إن كان ذلك واجبا وإما على عثمان وعبد الرحمن بن عوف إن كان الاقتداء بالشيخين محرما[1]ويعارضه مذهب علي إذ فهم أنه إنما أراد عبد الرحمن اتباعهما في السيرة والعدل وفهم على إيجاب التقليد[2] .




[1] - الإحكام للآمدي 4/ 159 ( الناشر : دار الكتاب العربي – بيروت الطبعة الأولى ، 1404 هـ تحقيق : د. سيد الجميلي )
[2]- المستصفي للغزالي ص 169 (الناشر : دار الكتب العلمية – بيروت الطبعة الأولى ، 1413 هـ تحقيق : محمد عبد السلام عبد الشافي )

د/ ربيع أحمد يقول...

الدليل العاشر :
إن السلف والخلف من التابعين ومن بعدهم يهابون مخالفة الصحابة ويتكثرون بموافقتهم، وأكثر ما تجد هذا المعنى في علوم الخلاف الدائر بين الأئمة المعتبرين؛ فتجدهم إذا عينوا مذاهبهم قووها بذكر من ذهب إليها من الصحابة، وما ذاك إلا لما اعتقدوا في أنفسهم وفي مخالفيهم من تعظيمهم وقوة مآخذهم دون غيرهم وكبر شأنهم في الشريعة، وإنهم مما يجب متابعتهم وتقليدهم فضلا عن النظر معهم فيما نظروا فيه .

مناقشة الدليل :
هذا الاستدلال أجنبي عن اعتبار ما يصدر عنهم من السنة، وغاية ما يدل عليه* لو صح أن جمهور العلماء كانوا يرون أقوال الصحابة أولى من أقوال غيرهم فالصحابة قد عرفوا أسباب النزول و شهدوا أحكام النبي صلى الله عليه وسلم و اطلعوا على أصول الأحكام، ولكمال معرفتهم باللغة العربية فيكون قولهم أكثر موافقة للحق و الصواب فلا شك أن قولهم مما يستأنس به ،ومن المرجحات .

د/ ربيع أحمد يقول...

الدليل الحادي عشر :
المعقول فالصحابي إذا قال قولا فإما أن يكون معتمدا في هذا القول على السماع من النبي صلى الله عليه وسلم أو سمعه عن النبي صلى الله عليه وسلم أو مشاهدته لأفعال النبي صلى الله عليه وسلم وتقريراته أو يكون هذا القول مبني على الاجتهاد برأيه فإن كان قد اعتمد في ذلك على النقل عن صلى الله عليه وسلم كان قوله حجة يجب العمل به وإن كان قد اعتمد على الاجتهاد برأيه فإن اجتهاد الصحابي مقدم على اجتهاد التابعي ومن بعده, لأن الصحابي اعلم بأسباب النزول وأقدر على تفسير النصوص لملازمته النبي صلى الله عليه وسلم ومعرفته لأحواله[1]. مناقشة الدليل : كون الصحابة أعرف بأسرار التشريع لا يلازم كون ما قاله ممّا سمعه ، إذ من المحتمل أنّهاستنبطه مما سمعه ،ولو كان قوله عن حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم لقاله . فمن أين نعلم أنّ فهمه للحديث كان فهماً موافقا للحديث ؟ و يجوز أن يسمع الصحابي من النبي صلى الله عليه وسلم الحديث ،ويكون غيره أعلم بمعانيه وقصده منه ،ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : « نضر الله امرأ سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ورب حامل فقه ليس بفقيه»[2]وإذا كان قول الصحابي يحتمل أن يكون سمعه من النبيصلى الله عليه وسلم فلا يجب علينا أن نثبت خبرا عن النبي صلى الله عليه وسلم بالشك .



[1]- انظر الواضح في أصول الفقه للدكتور محمد سليمان الأشقر ص 133 ( دار النفائس عمان الأردن دار السلام القاهرة الطبعة الأولى 1422هـ - 2001 م )
[2]- سنن أبي داود 2 /364 رقم 3660 قال الألباني : صحيح ( الناشر : دار الفكر تحقيق : محمد محيي الدين عبد الحميد )

د/ ربيع أحمد يقول...

الفصل الثالث : أدلة نفاة الاحتجاج بقول الصحابي : الدليل الأول :
الدليل الأول :
قوله تعالى : ﴿ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ ﴾[1]فقد دلت الآية على أنه عند الاختلاف في حكم الحادثة يجب الرجوع في ذلك إلى الله ورسوله , ولم تذكر الآية الــرجوع إلى قول الصحابة فيكون الرجوع لقول الصحابي مخالفة لأمر الله[2] .



[1] - سورة النساء من الآية 59
[2] - انظر مصادر التشريع الإسلامي للدكتور أنور دبور ص 244

د/ ربيع أحمد يقول...

الدليل الثاني :
إجماع الصحابة على جواز مخالفة بعضهم بعضاً[1] ، ولو كان قول بعضهم حجة لوقع الإنكار على منخالفه منهم، وإذا جاز مخالفة كل واحد منهم لهم، فيجوز لغيرهم أيضاً مخالفة كل واحدمنهم عملاً بالاستصحاب ،والتفريق بين الصحابة وغيرهم يحتاج لدليل صحيح صريح يحسم مادة الخلاف .

د/ ربيع أحمد يقول...

الدليل الثالث :
الصحابة كانوا يقرون التابعين على اجتهادهم ،وكان للتابعين آراء مخالفة لمذهب الصحابي ،فلو كان قول الصحابي حجة على غيره لما ساغ للتابعي هذا الاجتهاد ،ولأنكر عليه الصحابي مخالفته فهذا علي رضي الله عنه تحاكم في درع له وجدها مع يهودي إلى قاضيه شريح فخالف عليا في رد شهادة ابنه الحسن له للقرابة ،وكان علي برى جواز شهادة الابن لابيه .وخالف مسروق ابن عباس في النذر بذبح الولد فأوجب فيه مسروق شاة وأوجب ابن عباس فيه مئة من الإبل فقال مسروق : ليس ولده خيرا من إسماعيل فرجع ابن عباس إلى قول مسروق[1] .


[1] - الوجيز في أصول الفقه للدكتور وهبة الزحيلي ص 106 دار الفكر بيروت الإعادة الحادية عشر 1427هـ - 2006م

د/ ربيع أحمد يقول...

الدليل الرابع : قول الصحابي مجرد رأي فردي اجتهادي صادر من غير معصوم ،وكل مجتهد يجوز الخطأ والسهو عليه[1] ومن كان هذا شأنه لا يكون حجة في دين الله .


الدليل الخامس :أَنَّ الصَّحَابِيَّ لَمْ يَكُنْ يَدْعُو النَّاسَ إلَى تَقْلِيدِهِ وَاتِّبَاعِ قَوْلِهِ ،ولو كان قوله حجة في الدين لدعا الناس إلى تقليده .

[1]- المصدر السابق

د/ ربيع أحمد يقول...

الدليل السادس :
اختلف الصحابة في بعض المسأئل ،ومن المحال أن يأمر الشرع باتباعهم ،وفيهم من يحلل الشيء ، وغيرهمنهم يحرّمه[1]،ولو كان الصحابي حجة لتناقضت الحجج فها هو أبو هريرة رضي الله عنه يتوضأ حتى يصل بالوضوء إلى إبطيه ،وقد قال تعالى : ﴿وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ ﴾[2] ،وعبد الله بن مسعود رضي الله عنه ،وهو من أكثر الناس ملازمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم يرى التطبيق في الصلاة (أي وضع اليدين بين الرجلين أثناء الركوع ،وليس على الركبتين ) حتى يقول سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه : رحم الله أبا عبد الرحمن قد كنا نفعل ذلك ثم نهينا[3] .

د/ ربيع أحمد يقول...

الدليل السادس :
اختلف الصحابة في بعض المسأئل ،ومن المحال أن يأمر الشرع باتباعهم ،وفيهم من يحلل الشيء ، وغيرهمنهم يحرّمه[1]،ولو كان الصحابي حجة لتناقضت الحجج فها هو أبو هريرة رضي الله عنه يتوضأ حتى يصل بالوضوء إلى إبطيه ،وقد قال تعالى : ﴿وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ ﴾[2] ،وعبد الله بن مسعود رضي الله عنه ،وهو من أكثر الناس ملازمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم يرى التطبيق في الصلاة (أي وضع اليدين بين الرجلين أثناء الركوع ،وليس على الركبتين ) حتى يقول سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه : رحم الله أبا عبد الرحمن قد كنا نفعل ذلك ثم نهينا[3] .



[1] - انظر الأحكام لابن حزم 5/244
[2] - سورة المائدة من الآية 6
[3]- مفاتيح للفقه في الدين للشيخ مصطفى العدوي ص 84 - 85

د/ ربيع أحمد يقول...

الخاتمة : قول الصحابي ليس حجة ملزمة كالكتاب والسنة،لكن قوله مما يستأنس به ،ومن المرجحات التي يطمئن القلب للأخذ بها القلب فاجتهاد الصحابي أقرب إلى الصواب والحق ممن بعدهم هذا والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وكتبه والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، وكتب ربيع أحمد سيد طب عين شمس الأثنين 10 رمضان 1428 هـ 22 سبتمبر2007 م