25‏/04‏/2008

الإقناع بأن العادات يدخلها الابتداع


الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعـده ، وعلى آله وصحبه ، أما بعد : فإن الباعث على كتابة هذه الكلمة هو بيان وقوع البدع في العادات ، و أن البدع كما تدخل في العبادات فتدخل في العادات لعموم النصوص الدالة على تحريم الابتداع في الدين ،وعلى الالتزام بسنة خاتم الأنبياء والمرسلين .
يتبع الموضوع في التعليقات

هناك 12 تعليقًا:

د/ ربيع أحمد يقول...

و البدعة لغة اسم هيئة من : بَدَع ، والبَدْعُ: إحداثُ شيءٍ لم يكن له من قبلُ خلقٌ ولا ذكرٌ ولا معرفةٌ[1].و أبْدَعْتُ الشيءَ: اخترعته لا عَلى مثالٍ. والله تعالى بَديعُ السموات والأرض. والبَديعُ: المبتدِعُ[2]. والابتداع مصدر للمضارع ابتدع يبتدع ،وهو إيجاد البدعة وإحداثها ً .


والبدعة اصطلاحا عرفت بالعديد من التعريفات والكثير منها لا يخلو من مقال ، و أصح هذه التعريفات تعريف ابن رجب بأنها ما أحدث مما لا أصل له في الشريعة يدل عليه[3] .



[1]- كتاب العين للخليل الفراهيدي مادة بدع
[2]- الصحاح في اللغة للجوهري مادة بدع
[3]- جامع العلوم والحكم لابن رجب ص 260.

د/ ربيع أحمد يقول...

ويمكن أن تعرف البدعة بأنها كل ما أحدث في الدين بالزيادة أو النقصان أو التغيير مما لا دليل معتبر عليه بقصد القربةو قلنا بأن البدعة أمر محدث ؛لأنه لا أصل له في الشريعة ، ولا تعلق للبدعة بالشريعة بل هي استدراك على الشريعة ،وهذا لا يجوز ؛ ولأن البدعة تتميز بأنها خارجة عما رسمه الشرع .وهذا القيد يخرج ما حدث ، و له أصل في الشرع كتصنيف العلوم الشرعية مثلا ، فإنها وإن لم توجد في الزمان الأول ، فأصولها موجودة في الشرع و قيدت البدعة بالدين لأنها فيه تخترع ، وإليه يضيفها صاحبها ، ولو كانت الطريقة مخترعة في الدنيا لم تسم بدعة ، وذلك كإنشاء المدن الحديثة واختراع الآلات التي لم تكن موجودة من قبل .

د/ ربيع أحمد يقول...

و الأدلة على صحة هذا التعريف كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم : « عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار » [1] فهذا الحديث دل على أن البدعة هي الأمر المحدث عادة أو عبادة أو غير ذلك .


[1]- صحيح الترغيب والترهيب رقم 37

د/ ربيع أحمد يقول...

،وقالصلى الله عليه وسلم « من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد »[1]،وأمر النبي صلى الله عليه وسلم هو الأمر الديني لا الدنيوي فأمر النبوة منصب على العلم بالأمور الدينية ، وليس الأمور الدنيوية ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : «أنتم أعلم بأمردنياكم»[2] .


[1]- رواه البخاري ومسلم في صحيحهما
[2]- رواه مسلم في صحيحه رقم 2363

د/ ربيع أحمد يقول...

والأمور الدينية أي التي تختص بالدين ، والدين هو جميع ما شرعه الله من الأحكام أو اسم لجميع ما يعبد به الله[1] ،وسمي دين الله ديناً ؛ لأننا مدينين لله بحقوق يلزمنا القيام بها لنظهر بذلك عبوديتنا وإذعاننا لمليكنا ، ، وقد دل الحديث أن أي أمر ديني محدث لا يجوز ،سواء كان عادة أو عبادة أو معاملة أو غير ذلك فالدين ليس عبادات فقط ،ومن يخصص الحديث بالعبادات دون العادات فتخصيصه تخصيص بلا مخصص .


[1] - القاموس الفقهي ص 133 مادة دين د. سعدي أبو حبيب دار الفكر دمشق

د/ ربيع أحمد يقول...

حديث الثلاثة نفر فقد جاء ثلاث رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما أخبروا كأنهم تقالوها ، فقالوا : أين نحن من النبي صلى اللهعليه وسلم ؟ قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، قال أحدهم : أما أنا فإني أصلي الليل أبدا ، وقال آخر : أنا أصوم الدهر ولا أفطر ، وقال آخر : أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( أنتم الذين قلتم كذا وكذا ؟ أما والله أتي لأخشاكم لله وأتقاكم له ، لكني أصوم وأفطر ، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني ).[1]وهنا النبي صلى الله عليه وسلم عد العكوف عن تزوج النساء ابتداع ومخالفة للسنة مع أن الزواج من العادات وليس من العبادات .فلفظ سنتي مفرد معرف بالإضافة والمعرف بالإضافة يعم جميع أفراد معناه والقول بأن هذا خاص بمداومة الصيام و مداومة قيام الليل دون العكوف عن تزوج النساء صرف للكلام عن حقيقته بلا قرينة ، وهذا الحديث يدل على اختصاص البدعة بوصف قصد القربة ،و مما يؤكد أن الرهبنة بدعة مع أنها من العادات قوله تعالى :﴿وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا ﴾[2] .


[1]- رواه البخاري في صحيحه رقم 5063
[2]- سورة الحديد من الآية 27

د/ ربيع أحمد يقول...

فإن قيل يستلزم دخول البدع في العادات والمعاملات إجراء حكم البدعة فيما اتفقت الأمة على عدم دخولها فيه كالأكل والشرب ، وهذا باطل ،ويجاب على ذلك بأن كلامنا ليس في العادات والمعاملات المحضة فالنبوة منصبة على الأمور الدينية، وليست منصبة على الأمور الدنيوية لكن كلامنا في العادات والمعاملات التي فيها شائبة التعبد كالنكاح والسلام فما ألحق من أحكام شرعية بالأمور العادية بقصد القربة من الله تعالى وهو ليس كذلك في الشريعة فهو بدعة كلبس لباس معين بقصد القربة لله ،وهو مما ليس بقربة .

د/ ربيع أحمد يقول...

وإن قيل الأصل في الأشياء الإباحة فلا تمنع العادات والمعاملات إلا بدليل يقال هذا عام ودليلنا خاص فكلامنا في العادات والمعاملات التي فيها شائبة تعبد لا كل العادات والمعاملات لدخولها تحت الإحداث في الدين ،فالدين ليس عبادات فقط ،والعادات من حيث هي عادية لا بدعة فيها، ومن حيث يتعبد بها، أو توضع وضع التّعبُّدتدخلها البدعة ، و من أمثلة الأمور العادية التي لابدفيها من التعبُّد: البيع، والشراء ، و النكاح ، و الطلاق ، و الإيجارات ، و الجنايات ... لأنها مقيدة بأمور وشروط و ضوابط شرعية لا خيرة للمكلف فيها. و من أمثلة الابتداع في العادات الاحتفال بعيد الحب وعيد الأم و التزام لباس معين لأهل الزهد ووضع المكوس الدائمة و الصمت حدادا والرهبنة

د/ ربيع أحمد يقول...

وقد قال سبحانه وتعالى : ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً﴾ [1] أي قد كان لكم في أقوال رسول الله r وأفعاله وأحواله قدوة حسنة تتأسون بها , والتأسي يكون في الفعل بفعله ،وفى الترك بتركه أما التأسي به في الفعل ، فهو أن نفعل كما فعل على الوجه الذي فعل لأجل أنه r فعل . والتأسي في الترك . هو أن نترك مثل ما ترك على الوجه الذي ترك ، لأجل أنه rترك . فالآية عامة والقول باتباعه في فعله دون اتباعه في تركه تخصيص للنص بلا مخصص ، وهذا لا يجوز .



[1] - سورة الأحزاب الآية 21

__________________


مدونتي


بعض مواضيعي


ربيع أحمد السلفي
عرض الملف الشخصي العام
إرسال رسالة خاصة إلى ربيع أحمد السلفي
إِظْهَارُ جَمِيْعِ الرُّدُوْدِ الَّتِيْ رَدَّ بِهَا : ربيع أحمد السلفي
إضافة ربيع أحمد السلفي إلى قائمة الأصدقاء

د/ ربيع أحمد يقول...

وإن قيل قد استحدثت الأمة وسائل العبادات دون نكير كنقط المصحف ، وضبطه بالشكل ، و تصنيف العلم على طرق ووسائل متعددة ؛ فهناك السنن والآثار والمستدركات والمسانيد على الصحابة أو التابعين أو من بعدهم من الرواة ، والتبويب على أبواب الفقه ..والجواب على ذلك بأن عدم وقوع هذه الأمور في العصر النبوي إنما كانلأجل انتفاء المقتضي لفعلها، أو أنّ المقتضي لفعلها قائم لكن وجد مانع يمنع منه .

د/ ربيع أحمد يقول...

فمثلا جمع أبي بكر t للقرآن وجمع عثمان t الناس على مصحف واحد كان سببه الخوف من تفلت القرآن من الصدور وضياعه ، فقام أبو بكر t بجمعه بين الدفتين ، ثم جاء عثمان t فجمع الناس على مصحف واحد ، وأمر بإحراق ما عداه من المصاحف خشية الاختلاف في القرآن ووقوع الفتنة بسبب ذلك ، فجمع القرآن لم يرد فيه نص عن النبي r بفعله على وجه الخصوص ،ولكن نصوص الشرع العامة تؤيده ، فقد كان النبي r يأمر بكتابة القرآن ، ولا فرق بين أن يكتب مفرقاً أو مجموعاً بل صار جمعه أصلح ،وأيضاً فجمع القرآن راجع إلى حفظ الشريعة ، والأمر بحفظها معلوم ، وراجع إلى سد ذريعة وقوع الاختلاف في القرآن ، وقد علم النهي عن الاختلاف في القرآن ، بنصوص الشرع المستفيضة ،ويمكن أن يقال جمع القرآن لا يخرج عن كونه سنة ، فالسنة بمعناها العام هي كل ما قام الدليل الشرعي على أنه طاعة لله ورسوله ، سواء فعله الرسول r ، أو فعل في زمانه أو لم يفعله في زمانه لعدم المقتضى حينئذ لفعله ، أو وجود المانع منه ، وإذا ثبت أنه أمر به أو استحبه فهو سنة ، وكأمر النبي rبإجلاء اليهود والنصارى من جزيرة العرب ، وجمع الصحابة القرآن في المصحف ، وقد قال r : « لا تكتبوا عني غير القرآن ، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه »[1] فشرع كتابة القرآن ، ومع أن كتابة القرآن مشروعة لكن لم يجمعه الرسول r في مصحف واحد لاحتمال نزول آيات أو سور أو احتمال نسخ لبعض آياته . ولأجل هذا الاحتمال لم يمكن جمعه في مصحف واحد حتى مات رسول الله rفقام أبو بكر t بجمعه وقام عثمان t بجمع الناس على مصحف واحد ، وأجمع الصحابة على ذلك فصار إجماعهم دليلا شرعيا ، وأما تدوين السنة والعلوم الشرعية فهو من باب تبليغ الشريعة ،وقد ورد الأمر بذلك والحث عليه . فقال r :« ليبلغ الشاهد منكم الغائب »[2] وقال : « بلغوا عني ولو آية »[3] وثبت في السنة الأمر بكتابة العلم كقوله r « اكتبوا لأبي شاة »[4] وعن أبي هريرة t قال : « ليس أحد من أصحاب رسول الله r أكثر حديثا مني عن رسول الله r ، إلا ما كان من عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب »[5] .



[1]- رواه مسلم في صحيحه . كتاب الزهد . باب التثبت في الحديث ، وحكم كتابة العلم 4 / 2298 - 2299
[2] - رواه البخاري في صحيحه تاب العلم . باب ليبلغ الشاهد الغائب
[3]- رواه البخاري في صحيحه رقم 3202
[4]- رواه البخاري في صحيحه رقم 2254
[5]- رواه البخاري في صحيحه رقم 110

د/ ربيع أحمد يقول...

نخلص مما سبق أن الأدلة الناهية عن البدع جاءت عامة فلا تخصص بالبدع التعبدية وحسب بل أيضا يدخل البدع العادية ،فالشرع ليس عبادة فقط ، و المخالف في ذلك قد يستدل بالإباحة الأصلية ،وأدلة تحريم البدع خاصة واستصحاب الإباحة عام ،فيحمل العام على الخاص ،والاستدلال بجمع القران و وتصنيف العلوم خارج عن محل النزاع فمحل النزاع استحداث العادات التي فيها شائبة التعبد ،ولا دليل عليها أما ما ذكروه فهي تدخل تحت المصالح المرسلة ،ولم يكن هناك مقتضى لفعلها في العهد النبوي أو وجد المقتضى لكن كان هناك مانعا من فعلها ،والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وكتب ربيع أحمد الخميس 24/4/2008م 18 ربيع آخر 1429هـ