27‏/04‏/2008

من المسائل الفقهية مسألة مكث الحائض فى المسجد

اختلف الفقهاء فى جواز مكث الحائض فى المسجد على قولين المنع ،وهذا هو قول جماهير أهل العلم من المالكية والشافعية والحنابلة يرونَ أنه لا يجوز للمراءة الحائض أن تدخل المسجد،والقول الآخرالجواز، ، وبهذا قال الإمام أحمد في رواية عنه وهو قول المزني صاحب الإمام الشافعي وبه قال الإمام داود وابن حزم الظاهريان،وحكم المنع عند المانعين خاص بالحائض دون المستحاضة والمستحاضة لا تاخذ حكم الحائض ،ولها دخول المسجد والمكث فيها وحضور مجالس العلم والذكر و حلقات القرآن فقد روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أعتكف مع بعض نساءه وهي مستحاضة ترى الدم فربما وضعت تحتها الطست من الدم فهذا الحديث به دلالة واضحة جداً على جواز مكث المستحاضة فى المسجد لأنها دخلت مع النبي-صلى الله عليه وسلم- والنبي يعلم أنه ينزل عليها دم الأستحاضة واقرها على ذلك.
يتبع البحث بالتعليقات

هناك 8 تعليقات:

د/ ربيع أحمد يقول...

الدليل الأول :
قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنتُمْ مَرْضَى أَوْعَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً﴾ [ النساء : 43]

وجه الدلالة من الآية كما قالوا:
قوله﴿لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ ﴾ فالصلاة إما أن تكون الركوع والسجود أو تكون موضع الصلاة ،والمقصود بها المسجد،وموضع الصلاة مقول و القرينة هى ﴿وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ ﴾ لأن الجنب لا يجوز له أن يصلي ،ولا تصح صلاته أذن ليس المقصود هنا الركوع والسجود ،ولكن مكان الصلاه ؛لأنه بالإجماع لا تجوز صلاة الجنب وقوله﴿ إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ ﴾ يقصد بها من يمر مرور الكرام من المسجد فله ذلك والحائض أغلظ من الجنب فتمنع من المسجد إذن وجه الدلالة عندهم : إذا منع الجنب من المسجد إذن من باب أولى أن تمنع الحائض.
مناقشة الاستدلال:
هذا أحد تأويلى السلف لمعنى الآية ، والتأويل الآخر أن المراد الصلاة ذاتها لا المسجد فيكون المعنى :ولا تقربوا الصلاة جنباً إلا بعد أن تغتسلوا إلا فى حال السفر فصلوا بالتيمم ،ولذا قال بعدها :﴿وَإِنْ كُنتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ ﴾ فقـوله تعالى: ﴿لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ ﴾المراد بها الصلاة ذاتها ، و ليس موضع الصلاة , وذلك لأن الأرض إنما هي مسجدكما في الحديث الذي أخرجه البخاري و غيره من حديث جابر بن عبد الله " وجعلت ليالأرض مسجدا و طهورا " , وهذا القول هو قول آخر في الآية لعلي بن أبي طالب و ابنعباس و سعيد بن الجبير و الضحاك، ،والقول بأن المقصود موضع الصلاة خلاف الأصل ، و إذا تطرق إلى الدليل الاحتمال سقط به الاستدلال فبقى الحكم على البراءة الأصلية ، و يؤيد هذا ماروى البخارىمن مكوث أهل الصفّة في المسجد باستمرار و لا شك أنهم كانوا يجنبون , و كان عبد الله بن عمر ينام و هو شاب أعزب لا زوج له في مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلم متفق عليه ،وذهاب بعض العلماء إلى قياس الحيض و النفاس على الجنابة في حرمة المكث ،وإن كان خلاف الصحيح فهوغير مسلّم ، بل الظاهر أنّ حكمهما مختلف لوجود الفارق بين الحالتين ، إذ يُفرَّقُ بين الجنابة و بين الحدث الأكبر الحاصل بالحيض و النفاس ، بكون رفع الجنابة مقدوراً عليه في كلّ وقت ، بخلاف ما يعرِض للمرأة من شئون النساء التي لا ترتفع إلا لأجل الله أعلم به فالجنب باختياره أن يزيل هذا المانع بالاغتسال ، و أما الحائض فليس باختيارها أن تزيل هذا المانع.

د/ ربيع أحمد يقول...

الدليل الثانى: قوله صلى الله عليه وسلم: ( إني لا أحل المسجدلحائض ،و لا جنب)[1]. مناقشة الدليل : هذا الحديث حديث ضعيف لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فإن مدار الحديث على جُسرة ،وهى لاتحتمل التفرد،وممن ضعفه الخطابي والبيهقي وعبد الحق الإشبيلي والنووي والألباني وبالغ ابن حزم فقال:[ إنه باطل ][2].



[1] - رواه أبوداود232 والبيهقى 2/442 و ابن خزيمة 2/284
[2]- انظر المحلى لابن حزم 1/401 ، إرواء الغليل للألبانى 1/ 162 .

د/ ربيع أحمد يقول...

الدليل الثالث :

قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم- "ناوليني الخمرة من المسجد" قالت فقلت: اني حائض. فقال "إن حيضتك ليست في يدك". رواه مسلم

وجه الدلالة كما يقولون:"
وجه الدلالة منه أمران : الأول:- أن المتقرر عند عائشة رضي الله عنها أن الحائض ممنوعة من دخول المسجد ،ولذلك اعتذرت عن تنفيذ الأمر لكونها حائضاً .
الثاني : أنه صلى الله عليه وسلم أقرها على هذا الاعتذار ،وإنما بين لها أن الحيضة ليست في اليد فمجرد إدخال اليد في المسجد لا يدخل في النهي ، وهذا يدل على أن المتقرر عندهم هو أن الحائض ممنوعة من دخول المساجد ، ولأنه يخشى من تلويث المسجد بشيء من نجاسة دم الحيض ،وهو بقعة الصلاة التي يطلب طهارتها .

مناقشة الاستدلال :

تحرجت عائشة رضى الله عنها أن تمسك الخُمرة ، وهى السجادة التى سيصلى عليها النبى فى حال حيضها بدليل قوله"إن حيضتك ليست في يدك" ولم تتحرج من دخول المسجد فبطل الاستدلال به ،ولو كان في الحديث احتمال ماقالوا فالمقرر فى أصول الفقه إذا تطرق إلى الدليل الاحتمال سقط به الاستدلال.

د/ ربيع أحمد يقول...

الدليل الرابع:
أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أن نخرج الحيض يوم العيدين، وذوات الخدور، فيشهدان جماعة المسلمين ودعوتهم، ويعتزل الحيض عن مصلاهن، قالت امراة: يا رسول الله، أحدانا ليس لها جلباب؟ قال: (لتلبسها صاحبتها من جلبابها).
وجه الدلالة من هذا الحديث كما يقولون:إذا منع الرسول -صلى الله عليه وسلم- الحائض من دخول المصلى فلأن تمنع من دخول المسجد أقوى ؛لأن حرمة المسجد أشد توقيراً وتعظيماً من حرمة المصلى من باب أولى.

مناقشة الدليل :
المقصود من اعتزال المصلى اعتزال الصلاة ،فقدر وى الحديث نفسه بلفظ (( فأما الحيض فيعتزلن الصلاة)) وهى فى صحيح مسلم وغيره

د/ ربيع أحمد يقول...

الدليل الخامس :
كان النبي -صلى الله عليه وسلم- كما فى الحديث الذى رواه البخارى فى الاعتكاف يخرج رأسه من المسجد ،وهو معتكف فترجل رأسه عائشة-رضي الله عنها - وهى حائض فلو كان دخولها المسجد جائز لكان هذا أيسر على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا سيما وهو معتكف فلا يلجأ يخرج رأسه وهو معتكف - ومعلوم أن المعتكف لا يجوز أن يخرج من المسجد وألا بطل اعتكافه - وأيضاً لا ينبغي له أن يخرج جزء من أجزاءه خارج المسجد .

مناقشة الاستدلال :

ليس الحديث صريحاً فى منع الحائض من دخول المسجدفقد يكون عدم دخولها لعلة أخرى غير الحيض كأن يكون بالمسجد رجال ونحو ذلك، ولو كان في الحديث احتمال ماقالوا فالمقرر فى أصول الفقه إذا تطرق إلى الدليل الاحتمال سقط به الاستدلال.

د/ ربيع أحمد يقول...

الدليل السادس :
أن القول بمنع المكث ناقل عن الأصل ،و الدليل الناقل عن الأصل مقدم على الدليل المبقي على البراءة الأصلية . مناقشة الدليل السادس:هذا لوكان ما استدل به المانعون استدلالاً صحيحاً أما أدلة المانعون إما أدلة ضعيفة غير صحيحة أوصحيحة غير صريحة.

د/ ربيع أحمد يقول...

أدلة المبيحين :
الدليل الأول :
البراءة الأصلية إذ ان الأصل عدم النهي إلا أن يأتي دليل صحيح صريح يدل على منع دخول المرأة الحائض المسجد .

الدليل الثانى :
العلماء أجازوا للكافر دخول المسجد رجلاً كان أو امرأة والمكث فيه فالمسلم أولى ،وإن كان جنباً والمسلمة كذلك وإن كانت حائضاً فإن كان المنع من دخول المسجد والمكث فيه بسبب النجاسة المعنوية ، فهو منقوضبدخول الكافر ، وإن كان المنع بسبب النجاسة الحسية فهو منقوض بدخولالأطفال المسجد مع عدم تحرزهم عن النجاسة ، بل ثبت في البخاري من حديث ابن عمر : " أن الكلاب كانت تقبل وتدبر " زاد في رواية " وتبول ". وإن قالوا الشرع فرق بين الكافر والمسلم فقام الدليل على تحريم مكث الجنب والحائض فهذا قياس مع النص نقول قولكم يكون حجة إذا ثبت وجود نص صحيح صريح فى المنع من المكث فى المسجد ولا يوجد.

الدليل الثالث :
عن عائشة -رضي الله عنها وأرضاها – قالت :إن وليدة سوداء كانت لِحَي من العرب فاعتقوها فجاءت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأسلمت فكان لها خباء في المسجد )
قال ابن حزم : فهذه امرأة ساكنة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم والمعهود من النساء الحيض فما منعها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
مناقشة الاستدلال :
رد المانعون على هذا الاستدلال بما يلى: - يحتمل أنها كانت تقيم بالمسجد ،ووقت حيضها تخرج من المسجد . - ويحتمل مكوثها فى المسجد ،وهى حائض وعلم النبي -صلى الله عليه وسلم- وتركها ولم يخرجها من المسجد ولم ينهاها فهذه سنة تقريرية و ظاهره تعارض مع السنة القولية فأنه مقدم السنة القولية لأنه اقوى فى الدلالة من السنة التقريرية وهذا مكرر عند علماء الحديث وعلماء الأصول . - إن كان النبي-صلى الله عليه وسلم- علم بحيضها وتركها بالمسجد - فهذه واقعة عين (( ووقائع العين عند العلماء لا يجوز القياس عليها )) حال المرأة بأنها شريدة وحيدة فريدة لا مكان لها يأويها فالنبي-صلى الله عليه وسلم- علم بحيضها فأستثناها من الحكم العام وللشرع أن يستثني ما شاء من الحكم العام فيكون التأصيل العام هو انه لا يجوز للحائض الدخول المسجد . - لا نقول أنها واقعة عين ولكن نقول أنه حكم خاص لهذه المرأة السوداء والنبي -صلى الله عليه وسلم- سمح لها بالمكوث فى المسجد للضرورة والضرورات تبيح المحظورات .
رد رد المانعون :
أما عن الاحتمال الأول فهذا خلاف الأصل ويحتاج دليل ،ولادليل،ولوكان المتقرر عند عائشة رضي الله عنها أن الحائض ممنوعة من المكث فى المسجد ، لقالت وكانت وقت حيضها تخرج من المسجد،أماقولهم فهذه سنة تقريرية و ظاهرالحديث تعارض مع السنة القولية فخطأ ؛ لأنه لاتوجدسنة قولية صحيحة صريحة فى منع مكث الحائض فى المسجد،وقولهم استثناها النبى صلى الله عليه وسلم من الحكم العام قول يحتاج لدليل فأين الدليل على هذا الحكم العام كما يقولون؟!!

الدليل الرابع :
قوله صلى الله عليهوسلم لعائشة لما جاءها الحيض و هي في الحج " ذلك شيء كتبه الله على بنات آدم , فافعلي ما يفعله الحاج غير ألا تطوفي بالبيت " [1]. فمنع رسول الله عائشة الطوافبالبيت فقط و لم يمنعها من بقية المناسك و العبادات للحاج مثل قراءة القرآن و اللبث في المسجد لذكر الله, فلو كان مكوثها في المسجد ممنوع لبينلها صلى الله عليه و سلم ذلك , فإذا كان هذا هو حالالحائض التي جنابتها هي أشد من جنابة الرجل , فجواز ذلك له من باب أولى .
مناقشة الاستدلال :
أراد عليه الصلاة والسلام أن يعلمها بأنه يجوز للحائض أن تقوم بكل مناسك الحج إلا الطواف ،وأما حكم دخولها المسجد فمعلوم عندها أنه ممنوع إذ هى راوية الحديث .
رد رد الاستدلال :
قولهم يصح لوكان حديث عائشة فى المنع من المكث صحيحا.

الدليل الخامس :
ماروى البخارى من مكوث أهل الصفّة في المسجد باستمرار و لا شك أنهم كانوا يجنبون
، وكان عبد الله بن عمركما فى الصحيحين ينام و هو شاب أعزب لا أهل له في مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلم ، والشاب يعتريه الاحتلام كثيراً،ولم يُنه عن المكث فى المسجد حال الجنابة.
رد الاستدلال :
أهل الصفة مستثنون ؛لأنهم ليس لهم أهل ولامال ،وأما ابن عمرفلم يذكر أن النبى عليه الصلاة والسلام اطلع على هذا وأقره .
رد رد الاستدلال :
استثناء أهل الصفة فغير مسلم ؛لأن بإمكانهم الاغتسال أو على الأقل التيمم إذا تعذر وجود الماء،وأما قولهم بعدم إطلاع النبى على فعل ابن عمرو فغير مسلم أيضاً ؛ أنه لو خفى على النبى فإنه لا يخفى على الله فكان ينبغى أن يخبره الوحى بذلك فينهاه.

الدليل السادس : أثر عطاء أن رجالاً من أصحاب رسول الله كانوا يجنبون و يجلسون في المسجد وهمعلى وضوء فقط[2] , فيجوز إذا من غير وضوء ؛لأن الوضوء لا يرفع الحدث الأكبر , وإنما يخففه فقط كما يقول العلماء.

الدليل السابع : عن ميمونة قالت ‏:‏ ‏(‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يضع رأسه في حجر إحدانا، فيتلو القرآن ، وهي حائض . وتقوم إحدانا
بالخمرة إلى المسجد ، فتبسطها ، وهي حائض‏)[3]‏‏.‏ ‏‏
وجه الدلالة : فدل ذلك على جواز مرور الحائض في المسجد , فإن كان ذلك للحائض التي حيضتها ليستبيدها فماذا يكون الحال بالنسبة للجنب الذي يمكنه أن يغتسل و يتخلص من جنابته ؟ فجوازه للجنب من باب أولى إذًا .


[1] -رواه البخارى في صحيحه رقم 1650
[2] - أخرجه سعيد بن منصور فى سننه بإسناد حسن4/1275
[3]- رواه النسائي في سننه وصححه الألباني في صحيحة سنن النسائي رقم 272

د/ ربيع أحمد يقول...

الترجيح :
القول بجواز مكث الحائض فى المسجد ،هو القول الراجح ؛لأنه يوافق الأصل،ولايوجد ما يخالف الأصل بل يوجد ما يؤيده أما أدلة الجمهور فهى إما صحيحة غير صريحة أوصريحة غير صحيحة،ومن أنصار هذا القول من المعاصرين أبو مالك كمال بن السيد سالم فى كتابه صحيح فقه السنة ،والأستاذ الدكتور حسام الدين موسى فى كتابه يسألونك واختار هذا القول العلامة الألباني كما في تمام المنة في التعليق على فقه السنة ص 119هذا و بالله التوفيق والحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات.
وكتبه ربيع أحمد سيد طب عين شمس الخميس18 جماد آخر1427هـ 13يوليو 2006 مـ