28‏/04‏/2008

إعلام اللهفان بفضيلة الطهارة لمس القرآن


الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعـده ، وعلى آله وصحبه ، أما بعـد : فإن القرآن الكريم هو كلام الله المبين ، وكتابه المعجز ، وتنزيله المحفـوظ ، جـعله الله شفاء للصـدور ، و فرقاناً بين الحلال والحرام ، و فرقاناً بين الحق والباطل ، وقد أنـــزله الله I على رسوله r ، ليخرج الناس به من ظلمات الجهل والضلال إلى نور العلم والهـدى ، ليكون عصمة ونجاة لمن تمسك به ، لذلك فتلاوة القرآن من خير ما ينفق الإنسان فيه عمره طاعة للهU ، و قد قال النبي r : (( اقرءوا القـرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه )) [ رواه مسلم ] وقال r : (( الذي يقرأ القرآن ،وهـو ما هر به مع السفرة الكرام البررة ، والذي يقرأ القرآن ، ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران )) [ متفق عليه ] وقال r : (( من قرأ حرفاً من كتاب الله فله حسنة ، والحسنة بعشر أمثالها ، لا أقول : ألم حرف ، ولكن ألف حرف ، ولام حــرف ، وميم حرف )) [ رواه الترمذي وقال : حسن صحيح ] ،وشرع الله عند مس المصحف الطهارة ،واختلف العلماء فى حكم الطهارة لمس المصحف فمنهم من يقول بالوجوب، وهذا قول أكثر الفقهاء ، ومنهم من يقول بالاستحباب ومنهم الظاهرية ، وكل من القولين له أدلته ،وله وجاهته،ولأهمية المسألة أحببت كتابة بحث مختصر فيها أبين فيه قولى الفقهاء وأدلتهم وترجيـح الرأى الموافق للكتاب والسنة ، وكان هذا البحث مكوناً من مقدمة وخمسة فصول وخاتمة : المقدمة : تشمل عرضا سريعا للمسألة. الفصل الأول : عرض قولي الفقهاء . الفصل الثانى : أدلة قول الجمهور . الفصل الثالث : أدلة مخالفي الجمهور. الفصل الرابع : القول الراجح .الفصل الخامس : ما ترتب على القول الراجح. الخاتمة : تشمل خلاصة البحث. أسأل الله أن يلهمنى الرشد والصواب والرشاد .وكتب ربيع أحمد سيد - إمبابة - الأثنين23 رمضان 1427 هجرياً 16 أكتوبر 2006 ميلادياً
يتبع البحث بالتعليقات

هناك 29 تعليقًا:

د/ ربيع أحمد يقول...

الفصل الأول : عرض قولي الفقهاء :

اختلف العلماء في مس المصحف دون طهارة فالجمهور على المنع ،و هذا هو المذهب المنقول عن جمع من الصحابة منهم علي بن أبي طالب ، و عبد الله بن مسعود ، و سعد بن أبي وقاص ، و عبد الله بن عمر ، و سعيد بن زيد ، و سلمان الفارسي ، وغيرهم ، و قال به جمهور التابعين و منهم : عطاء بن أبي رياح ، و ابن شهاب الزهري ، و الحسن البصري ، و طاوس بن كيسـان ، و النخعي ، و الفقهاء السبعة ، و هو مذهب مالك والشافعى واختلفت الرواية عن أبي حنيفة، فروي عنه أنه يمسه المحدث،وقد نقل هذا القول عن ابن عباس ، والشعبي ، والضحاك[1]، والحكم بن عتيبة، وحماد بن أبي سليمان، وداود الظاهري[2]، وهو مذهب الظاهرية[3].




[1] - الجامع لأحكام القرآن 17/226 دار الكتاب العربي للطباعة والنشر ، 1387هـ/1967م ، نيل الأوطار ، 1/261 دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، 1402هـ/1982م.
[2] - المغني 1/ 147مكتبة الرياض الحديثة ، المجموع للنووي 1/79 مكتبة العاصمة
[3] - انظر : المحلى ، 1/77 طبعة دار الآفاق .

د/ ربيع أحمد يقول...

الفصل الثاني أدلة الجمهور :

الدليل الأول :

قوله تعالى :
﴿ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ سورة الواقعة

وجه دلالة الآية :

إن الله U أخبر أن هذا القرآن الكريم لا يمسه إلا المطهرون إجـــلالاً له وتعظيمًا ، وجاء الإخبار في الآية بصيغة الحصر فاقتضى ذلك حصر الجواز في المطهرين ، وعموم سلبه في غيرهم[1]، و لقوله تعالى: ﴿ فاطهروا ﴾ فدل على أن المحدث ليس بطاهر ، وإلا لكان ذلك أمراً بتطهير الطاهر ، وذلك غير جائز ، وإذا لم يكن طاهراً لم يجز له مس المصحف لقوله تعالى : ﴿ لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ المطهرون ﴾ ،فالمراد بالمطهرين ؛ المطهرون من الأحداث والأنجاس من بني آدم. والآية وإن كان لفظها لفظ الخبر، إلا أنه خبر تضمن نهيًا[2]. فـــهو نظير قوله تعالى : ﴿ لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ﴾ [البقرة من الآية233] فإنه خبر تضمن نهيًا ، فدل ذلك على اشتراط الطهارة لمس المصحف[3]، والمس مع الطهارة يدل على التعظيم ، والمس بغير طهارة يدل على الإهانة ، وذلك لأن الأضداد ينبغي أن تقابل بالأضداد فنقول : إن من لا يمـس المصحف لا يكون مكرماً ، ولا مهيناً ، وبترك المس خرج عن الضدين ففي المس عن الطهر التعظيم ، وفي المس على الحـدث الإهانة فلا تجــوز و قوله سبحانه : ﴿ تَــنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ بعد قوله سبحانه : ﴿ لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ﴾ فيه دلالة ظاهرة على إرادة المصحف الذي بأيدي الناس.




[1] - انظر : الذخيرة للقرافي 1/238 ، تحقيق : محمد بوخبزه ، بيروت : دار الغرب الإسلامي الطبعة الأولى عام 1994م . .
[2] - انظر : تفسير البغوي 5/301 ، تفسير ابن كثير 4/299 ؛ بداية المجتهد لابن رشد 1/30 راجعه وصححه:عبد الحليم محمد عبد الحليم ، عبد الرحمن حسن محمود ، القاهرة : مطبعة حسان..
؛ مغني المحتاج للخطيب الشربينى 7/37 ؛ كشاف القناع ، 1/134 .
[3] - انظر : المجموع شرح المهذب للنووى 2/79

د/ ربيع أحمد يقول...

مناقشة الدليل الأول :

قولهم بأن المراد بقـــوله تعالى ﴿ لا يَمَـسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ﴾ أى لايمس القرآن إلا المطهرون ،والآية خبر تضمن نهياً ليس بصواب فالآية على صورة الخبر ، وليست على صــورة النهى ، والأصل فى الكلام صرفه على ظاهره ، فلا يجوز أن يصرف لفـظ الخبر إلى معنى الأمر إلا بنص جلي ، أو إجماع متيقن ، ولم يثبت شيء من ذلك ،و القول بأن ﴿ لا يمسه ﴾ نهي قول فيه ضعف، و ذلك أنه إذا كان خبراً فهو في موضع الصفة ، وقوله بعد ذلك : ﴿ تنزيل ﴾ : صفة أيضاً ، فإذا جعلناه نهياً جاء معنى أجنبياً معترضاً بين الصفات ، وذلك لا يحسن في رصف الكلام ، ذكره ابن عطية فى تفسيره ،وقولهم بأن المقصود بقوله تعالى : ﴿ لا يَمَـسُّهُ ﴾ أى القرآن الكريم خلاف ظاهر الآية ، فالظاهر أن مرجع الضمير هو الكتاب الذي بأيدي الملائكة الذين ينزلهم الله بوحيه وتنزيله، ،والمراد بذلك أنه مستور عن الشياطين، ولا قدرة لهم على تغييره، ولا الزيادة والنقص منه واستراقه ، ،وهو المذكور في قوله :﴿ فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ ﴾ سورة عبس ؛ أى هَذِهِ الصُّحُفُ تَتَنَزَّلُ عَلَى الأَنْبِيَاءِ الكِرَامِ بِوَاسِطَةِ سَفَرَةٍ كِرَامٍ بَرَرَةٍ ،وهُمُ المَلاَئِكَةُ المُطَهَّرُونَ ، لِيَقُومَ الأَنْبِيَاءُ بِإِبْلاَغِهَا إِلَى النَّاسِ ،ويدل على أنه الكتاب الذي بأيدي الملائكة قوله : ﴿ لا يَمَـسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ﴾ فهذا خبر يدل على أنه بأيديهم يمسونه ؛ ولأن المصـحف يمسه الطاهر وغير الطاهر ، فدل على أن الله U لم يعن بالمصحف المذكور في الآية هذا الذي بأيدي الناس ، وإنما عني كتابًا آخر، وهو الذي في السماء[1] ، فخبر الله لا يكون خلافه



[1] - انظر : المحلى لابن حزم 1/83 ، بداية المجتهد 1/30

د/ ربيع أحمد يقول...

تابع مناقشة الدليل الأول :
ويدل عليه أيضاً أن مرجع الضمير للأقرب ،والأقرب هو الكتاب الذي بأيدي الملائكة ، ويشعر بهذا سيـاق الآيات الكريمة : ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ﴾ ،ويدل عليه أيضاً أن الآية سيقت تنزيها للقرآن أن تنزل به الشياطين ،وأن محله لا يصلون إليه فيستحيل على الشياطين أن يمسوه كما فى قوله تعالى : ﴿ وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ ﴾ ،وكما فى قوله تعالى : ﴿فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ ﴾ ، و يدل على أن المقصود الكتاب الذى بأيدى الملائكة أيضاً قوله تعالى : ﴿ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ ﴾ والمكنون المصون المستور عن الأعين الذي لا تناله أيدي البشر كما قال تعالى : ﴿ كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ ﴾ [ سورة الصافات آية 49 ]،ويدل على أن المقصود الكتاب الذى بأيدى الملائكة أيضاً أن الآية جاءت بصيغة الخبر فلا يجوز صرفها للمجاز ،وهو أنها نهى فى صورة الخبر إلا بدليل ،ويدل على أن المقصود الكتاب الذى بأيدى الملائكة أيضاً أن الله قال ﴿ لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ﴾،وليس إلا المتطهرون ، ولو أريد به منع المحدث من مسه لقيل إلا المتطهرون كما قال تعالى : ﴿ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾[ سورة البقرة 222] والمتطهر فاعل التطهير ،والمطهر الذي طهره غيره فالمتوضئ متطهر والملائكة مطهرون فخلاصة الكلام أن الضمير يعود على الكتاب الذى بأيدى الملائكة ،والمراد بقوله : ﴿ الْمُطَهَّرُونَ ﴾ الملائكة ،وليسوا بني آدم ؛ كما هو قـول جمهور السلف من الصحابة ومن بعدهم،وعلى هذا يكون معنى الآيات : إن هذا القــرآن في كتاب مَصُـون مستور عن أعين الخلق , وهو الكتاب الذي بأيدي الملائكة،فلا يَمَسُّ هذا الكتاب إلا الملائكة الكرام الذين طهـرهم الله من الآفات والذنوب , فالقرآن محفوظ من الشياطين فلا تمسه ولا تقربه ،ولا من غير الشياطين من سائر الخلق أجمعين .و هذا القرآن تنزيل من رب العالمين، نزله من الكتاب المكنون ،وَلاَ يَنْزِلُ بِهِ إِلاَّ المُطَهَّرُونَ مِنَ المَلاَئِكَةِ

د/ ربيع أحمد يقول...

تابع مناقشة الدليل الأول :
و لو ســلم عدم دلالة السياق على أن الضمير عائد على الكتاب المكنون ففى دلالته على القرآن الذى بأيدى الناس احتمال ، وإذا تطرق إلى الدليل الاحتمال سقط به الاستدلال فبقى الحكم على البراءة الأصلية وإن قالوا إذا كانت الصـــحف التي في السماء لا يمسها إلا المطهرون ، فكذلك الصحف التي بأيدينا من القرآن لاينبغي أن يمسها إلا طاهر ،وقالوا يمكن الاستدلال بالآية بقيـاس بنــي آدم على الملائكة[1] أو كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية من باب التنبيه والإشارة ؛ لأنه إذا كانت الصحف التي في السماء لا يمسها إلا المطهرون ، فكذلك الصحف التي بأيدينا من القرآن لا ينبغي أن يمسها إلا طاهر ، والحديث مشتق من هذه الآية[2]. فنقول لهم هذا قياس مع الفارق ؛ لأن هذا قياس عالم الشهادة علي عالم الغيب فالملائكة ليســوا كالبشر فلا يأكلون ،ولا يشربون ،ولا ينامون ، ولا يتزوجون ،والله قد طهرهم من الآفات والذنوب




[1] - انظر : كشاف القناع 1/134 مطبعة أنصار السنة المحمدية 1366هـ/1947م .
[2] - التبيان في أقسام القرآن 1/402 تحقيق محمد زهري النجار الناشر : المؤسسة السعيدية للطبع والنشر القاهرة : مطابع الدجوي .

د/ ربيع أحمد يقول...

تابع مناقشة الدليل الأول :
و قولهم قوله ﴿ فاطهروا ﴾ فدل على أن المحدث ليس بطاهر ، وإلا لكان ذلك أمراً بتطهير الطاهر غير مسلم ، فالطاهر من المشتركات اللفظية ، يطلق على الطاهر من الحدث الأكبر، والطاهر من الحدث الأصغر، ويطلق على المؤمن، وعلى من ليس على بدنه نجاسة ، ولابد لحمله على معين من قرينة ،فالطاهر يطلق على المؤمن كما فى قوله تعالى : ﴿ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ﴾ [التوبة من الآية28 ] وقوله r لأبي هريرة : ‏(( ‏المؤمـن لا ينجس ‏)) [ متفق عليه] ،ويطلق على الطاهر من الحدث الأكبر كما فى قوله تعالى : ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ﴾[ المائدة من الآية6 ] ، وعلى الطاهر من الحدث الأصغر قوله r في المــسح على الخفين : (‏( ‏دعهما فإنـي أدخلتهماطاهرتين ‏)‏) [متفق عليه] ويطلق أيضاً على من ليس علـــىبدنه نجاسة‏ للإجماع على أن الشــيء الذي ليس عليه نجاسة حـسية ، ولا حكمية يسمى طاهرًا ،ولما كان إطـــلاق اسم النجس على المؤمن المحدث أو الجنب لا يصح حقيقة ولا مجازاً ولا لغةً لقوله r : ‏(‏( المؤمن لا ينجس‏ )) [ متفق عليه] ؛ لأن المطهر من ليس بنجس ، والمؤمن ليس بنجس دائمًافلا يصح حمل المطــهر على من ليس بجنب أو حائض أو محدث أو متنجس بنجاسة عينية بليتعين حمله على من ليس بمشرك أي الطاهر من الشرك كما في قوله تعالى:﴿ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ﴾ [التوبة من الآية28 ] ، ولحديث النهي عن السفر بالقرآن إلى أرض العدو

د/ ربيع أحمد يقول...

تابع مناقشة الدليل الأول :
والمسألة ترجع إلى مسألة عموم اللفظ المشترك أى أن يطلق اللفظ المشترك ،ويراد جميع معانيه التى وضع لها ،وقد اختلف العلماء فى ذلك على ثلاثة أقوال المنع والجواز فى النفى والإثبات والجواز فى النفى فقط ،وجمهور الأصوليين على المنع من إرادة اللفظ المشترك العموم على الحقيقة ،فلا يجوز استعمال اللفظ المشترك إلا فى معنى واحد ؛ لأنه لم يوضع لجميع ما يدل عليه بوضع واحد بل بأوضاع متعددة أى وضع لكل معنى من معانيه بوضع على حدة ، وَالْوَضْعُ هُوَ تَخْصِيصُ اللَّفْظِ بِالْمَعْنَى فَلَوْ اُسْتُعْمِلَ فِي معانيه حَقِيقَةً لَكَانَ كُلٌّ معنى نَفْسَ الْمَوْضُوعِ لَهُ أَيْ الْمَعْنَى الَّذِي خُصَّ بِهِ اللَّفْظُ ، وَهُوَ بَاطِلٌ ضَرُورَةَ انْتِفَاءِ التَّخْصِيصِ عِنْدَ إرَادَةِ الْمَعْنَى الْآخَرِ فإرادة جميع معانيه يخالف أصل وضعه،وهذا لايجوز ،ومهما تعددت معاني اللفظ المشترك فإن الله لا يقصد إلا أحدها دون غيره؛ لأن المعاني المتعددة توضع على سبيل البدل؛ أي على أن يحل معنى بدلاً من آخر، لا على العموم[1] أى لا يدل على معانيه دفعة واحدة ؛ لأن وضعه لها كان وضعاً متعدداً فإذا كان اللفظ مشتركاً بين معنيين أو أكثر من المعاني اللغوية وجب حمله على معنى واحد منها بدليل يعينه ، ومَنْ عَرَفَ سَبَبَ وُقُوعِ الِاشْتِرَاكِ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ امْتِنَاعُ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ فِي معانيه حَقِيقَةً فِي إطْلَاقٍ وَاحِدٍ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ سَبَبَ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ هُوَ الْوَضْعُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ معانيه قرر ذلك عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودِ بْنِ تَاجِ الشَّرِيعَةِ فى التلويح على التوضيح[2] ،والمشترك يمكن إطلاقه على معانيه التى وضع لها مجازاً أى يكون بذلك قد خالف أصل وضعه ؛ لِأَنَّ الْوَاضِعَ لَمْ يَضَعْهُ لِلْمَجْمُوعِ ، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ اسْتِعْمَالُهُ فِي أَحَدِهِمَا بِدُونِ الْآخَرِ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ وقد قرر ذلك الغزالى فى المستصفى[3] ،وعن الشافعى والقاضى والمعتزلة حقيقة أى أن اللفظ المشترك قد يقترن به قرينة مبينة للمراد ،وقد يتجرد عنها فإن تجرد عن القرائن فهو مجمل إلا عند الشافعى والقاضى فإنه يحمله على الجميع فخلاصة الكلام أن المسألة راجعة إلى ما هو مقرر فى الأصول فمن أجاز حمل المشترك على جميع معانيه حمله عليها هاهنا ،وهذا القول ليس بصواب فهو يحتاج لقرينة تدل على إرادة جميع معانيه عند جمهور الأصوليين‏ ،ومن قال المشترك إذا تجرد عن القرائن فهو مجمل فلا يعمل به حتى يُبَين ،وهو قول الجمهور ،ونتيجة هذا القول هو عدم وجود حجية فى الآية حتى ولو صدق اسم الطاهر على من ليس بمحدث حدثًا أكبر أو أصغر.ولو كان المراد بقوله : ﴿ الْمُطَهَّرُونَ ﴾ المتــطهرون لقيل لا يمسه إلا المتطهرون أو إلا المطَهَـــرون بتشديد الطاء




[1] - انظر الوجيز فى أصول الفقه د.عبد الكريم زيدان ص 329 مؤسسة الرسالة 1421 هـ وانظر أصول الفقه القسم الثانى الحكم الشرعى د.محمود بلال مهران ص 391- 395 دار الثقافة العربية 1425هـ
[2]- التلويح على التوضيح 1/ 241- 256
[3]- المستصفى للغزالى 2/ 100- 101

د/ ربيع أحمد يقول...

تابع مناقشة الدليل الأول :
والآيــة ههنا جاءت بصيغة الإخبار لا التكليف ، وقصـد الإخبار فيها ظاهر ، وهل الملائكة يؤمرون بألا يمسوا القرآن إلا طاهرين ، وهم طاهرون ؟ ،وقولهم الطهارة لمس المصحف فيه تعظيم فحق ،ولكن لايلزم منه وجوب الطهارة لمس المصحف بل على استحباب الطهارة لعدم وجود نص على الوجوب ،والراجح من أقوال الفقهاء جواز الطواف مع الحدث فإذَا جَازَ الطَّوَافُ مَعَ الْحَدَثِ ،مع أن الطواف مع الطهارة فيه تعظيم ، فكذلك يَجُوزَ لِلْمُحْدِثِ مَسُّ الْمُصْحَفِ بلا طهارة مع أن مس المصحف مع الطهارة فيه تعظيم ،وكالصلاة فى أول وقتها فيه تعظيم للصلاة مع أن الصلاة فى آخر وقتها تجوز على قول جمهور الفقهاء فإن قالوا حرمة القرآن أشد نقول هذا بقياس الأدنى ،وقياس الأدنى يجوز،ولايوجد أصلاً دليل صحيح صريح على وجوب هذا التعظيم لمس المصحف ،ولاإجماع بل غاية ما فى كلامهم الاستحباب.

د/ ربيع أحمد يقول...

مناقشة الدليل الثانى :
الحديث أخرجه الحاكم في المستدرك والبيهقي في الخلافيات والطبراني وفي إسناده سويدبن أبي حاتم ،وهو ضعيف‏،‏‏‏ وذكر الطبراني في الأوسط أنه تفرد به وحسَّن الحازمي إسناده وقد ضعف النووي وابنكثير في إرشاده وابن حزم حديث حكيم بن حزام وحديث عمرو بن حزم جميعًا‏.‏ وفي الباب عن ابن عمر عند الدارقطني والطبراني قال الحافظ‏:‏ وإسناده لا بأس به لكنفيه سليمان الأشدق ،وهو مختلف فيه رواه عن سالم عن أبيه ابن عمر قال الحافظ‏ :‏ ذكرالأثرم أن أحمد احتج به‏ ،وفي الباب أيضًا عن عثمان بن أبي العاص عند الطبراني وابن أبي داود في المصاحف وفيإسناده انقطاع‏.‏ وفي رواية الطبراني من لا يعرف ،وعن ثوبان أورده علي بن عبد العزيزفي منتخب مسنده ،وفي إسناده حصيب بن جحدر وهو متروك‏.‏ وروى الدارقطني في قصة إسلامعمر أن أخته قالت له قبل أن يسلم‏ :‏ إنه رجس ،ولا يمسه إلا المطهرون قال الحافظ ‏:‏وفي إسناده مقال ،وفيه عن سلمان موقوفًا أخرجه الدارقطني والحاكم[1]‏.‏ وكل الأحاديث التي استدل بها على تحريم مس المصحف على المحدث كلها ضعيفة ، ولا يخلو إسناد واحد منها من قدح وعلة ، فلا تقوم بها حجة ، ولا تصلح للاحتجاج ، قال ابن حزم : ( فإن الآثار التي احتج بها من لم يجز للجنب مسه ، فإنه لا يصح منها شيء ، لأنها إما مرسلة، وإما ضعيفة لا تسند، وإما عن مجهول ، وإما عن ضعيف ، وقد تقصيناها في غير هذا المكان) [2].فالخلاصة أن هذا الحديث غير صالح للاحتجاج؛لأنه منقول من صحيفة غير مسموعة، وفي رجال إسناده خلاف شديد فتصحيح الحديث أو تحسينه فيه نظر ،وكيف ينبني حكم شرعي على دليل محتمل الثبوت؟!!


[1]- نيل الأوطار للشوكانى ج1 ص229 دار الحديث 1421 هـ
[2] - المحلى لابن حزم 1/81 .

د/ ربيع أحمد يقول...

مناقشة الاستدلال بالحديث :
على فرض صحة الحديث فلفظ الطاهر من الألفاظ المشتركة فمن أجاز حمل المشترك على جميع معانيه حمله عليها هنا ،وهذا القول مخالف لجمهور الأصوليين ؛لأنه يخالف وضع المشترك فهو مجاز ،والمجاز يحتاج لقرينة ،ولو سلمنا به نقول لما كان إطلاق اسم النجس على المؤمن المحدث أو الجنب لايصح حقيقة ولامجازاً ولا لغةً لقوله r : ‏(( ‏المؤمن لا ينجس‏)) متفق عليه ؛لأن الطاهر من ليس بنجس ،والمؤمن ليس بنجس دائمًافلا يصح حمل الطاهرعلى من ليس بجنب أو حائض أو محدث أو متنجس بنجاسة عينية بليتعين حمله على من ليس بمشرك كما في قوله تعالى:﴿ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ﴾[التوبة من الآية28 ] ،ولحديث النهي عن السفر بالقرآن إلى أرض العدو، والحديث والآية السابقان يدلان على أن المراد بالطاهر الطاهر من الشرك ،والمشترك يحتاج لقرينة توضح المراد منه ،فإذا وجدت القرينة فهو مشكل ، والمشكل هو اللفظ الذي لا يدل بصيغته على المراد منه ،ولكن يمكن تعيين المراد منه بقرينة خارجية. ومثاله اللفظ المشترك؛ فإنه موضوع لأكثر من معنى واحد، وليس في صيغته ما يدل على المعنى الذي يقصده الشارع منه، ولكن القرينة الخارجية تعين المعنى الذي يقصده ،وإذا لم توجد القرينة فهو مجمل يحتاج إلى بيان من الله ،واللفظ المجمل هو اللفظ الذى لا يدل بصيغته على معناه ،و لا توجد قرائن تعين المعنى المراد ،ويحتاج لنص من الله لمعرفة المعنى المراد فإذا وجد نص فهو مفسر،والفرق بين المشكل والمجمل أن إزالة خفاء المشكل يكون بالبحث والتأمل فى القرائن المصاحبة له ،أي يكون بالاجتهاد،وأما المجمل فإن إزالة خفائه تتوقف على بيان من الله أي لا يدخل فيه اجتهاد ،و يَدُلّ عَلَى فَسَادِ حمل المشترك على جميع معانيه عند التجرد عن القرائن وُجُوهٌ : أَحَدُهَا : أَنّ اسْتِعْمَالَ اللّفْظِ فِي مَعْنَيَيْهِ إنّمَا هُوَ مَجَازٌ إذْ وَضْعُهُ لِكُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى سَبِيلِ الِانْفِرَادِ هُوَ الْحَقِيقَةُ ،وَاللّفْظُ الْمُطْلَقُ لَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى الْمَجَازِ بَلْ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ . الثّانِي : أَنّهُ لَوْ قُدّرَ أَنّهُ مَوْضُوعٌ لَهُمَا مُنْفَرِدَيْنِ ،وَلِكُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُجْتَمَعَيْنِ فَإِنّهُ يَكُونُ لَهُ حِينَئِذٍ ثَلَاثَةُ مَفَاهِيمَ فَالْحَمْلُ عَلَى أَحَدِ مَفَاهِيمِهِ دُونَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ مُوجِبٍ مُمْتَنِعٌ . الثّالِثُ : أَنّهُ حِينَئِذٍ يَسْتَحِيلُ حَمْلُهُ عَلَى جَمِيعِ مَعَانِيهِ إذْ حَمْلُهُ عَلَى هَذَا وَحْدَهُ ،وَعَلَيْهِمَا مَعًا مُسْتَلْزِمٌ لِلْجَمْعِ بَيْنَ النّقِيضَيْنِ فَيَسْتَحِيلُ حَمْلُهُ عَلَى جَمِيعِ مَعَانِيهِ .وَالرّابِعُ : أَنّهُ لَوْ وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ جَمِيعًا لَصَارَ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ ؛ لَأَنّ حُكْمَ الِاسْمِ الْعَامّ وُجُوبُ حَمْلِهِ عَلَى جَمِيعِ مُفْرَدَاتِهِ عِنْدَ التّجَرّدِ مِنْ التّخْصِيصِ ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَجَازَ اسْتِثْنَاءُ أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ مِنْهُ و،َلَسَبَقَ إلَى الذّهْنِ مِنْهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ الْعُمُومُ وَكَانَ الْمُسْتَعْمِلُ لَهُ فِي أَحَدِ مَعْنَيَيْهِ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَعْمِلِ لِلِاسْمِ الْعَامّ فِي بَعْضِ مَعَانِيهِ فَيَكُونُ مُتَجَوّزًا فِي خِطَابِهِ غَيْرَ مُتَكَلّمٍ بِالْحَقِيقَةِ وَأَنْ يَكُونَ مَنْ اسْتَعْمَلَهُ فِي مَعْنَيَيْهِ غَيْرَ مُحْتَاجٍ إلَى دَلِيلٍ ،وَإِنّمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مَنْ نَفَى الْمَعْنَى الْآخَر[1]َ ،وقال الإسنوى: " اللفظ المشترك قد يقترن به قرينة مبينة للمراد وقد يتجرد عنها فإن تجرد عن القرائن فهو مجمل إلا عند الشافعي والقاضي فإنه يحمله على الجميع "[2] ،وشكك ابن القيم فى نسبة هذا الكلام للشافعي ،ونقل عن ابن تيمية التشكيك فى نسبة الكلام إلى الشافعي أيضاً فى زاد المعاد ،وغاية ما فى الحديث احتمال إيجاب الطهارة لمس المصحف ،وإذا تطرق إلى الدليل الاحتمال سقط به الاستدلال ،والأدلة على أن المقصود بالطاهر من ليس بكافر أظهر ،و مما سبق ندرك أنه لا حجة فى الحديث على اشتراط الطهارة لمس القرآن.



[1]- انظر زاد المعاد لابن القيم جزء 5 فى فصل حمل المشترك على معنييه
[2] - نهاية السول فى شرح منهاج الأصول مع حاشية الشيخ بخيت 2/ 142

د/ ربيع أحمد يقول...

عوفا الدليل الثاني الذي تم مناقشته هو الاتي :
حديث عمرو بن حزم أن النبى r كتب إلى أهل اليمن كتاباً وفيه : (( لا يمس القرآن إلا طاهر )) أخرجه مالك , والدار قطني ( 431) والحاكم(1/397) قال ابن عبدالبر : إنه أشبه المتواتر وقال يعقوب بن سفيان : لا أعلم كتابا أصح من هذا الكتاب , وشهد عمر بن عبدالعزيز والزهري بصحته , وصححه الألباني بشواهده في الإرواء (1/158) و الدليل على صحة كتاب عمرو بن حزم تلقي جمهور العلماء له بالقبول والعمل ، ولم يختلف فقهاء الأمصار بالمدينة والعراق والشام أن المصحف لا يمسه إلا طاهر على وضوء .

د/ ربيع أحمد يقول...

الدليل الثالث :
قال بعــضهم أجمع الصحابة - رضوان الله عليهم - على القول بعدم جواز مس المحدث المصحف ، حـيث روي ذلك عمن تقدم ذكرهم من فقهاء الصحابة ومشاهيرهم، ولم يعرف لهم في عصرهم مخالف[1] ، فكـان إجماعًا سكوتيًا[2].


[1] - انظر : المغني 1/147 ، المجموع للنووي 2/80 ، مجموع فتاوى شيخ الإسلام 21/266 .
[2] - إظهار الحق المبين بتأييد إجماع الأئمة الأربعة على تحريم مس وحمل القرآن الكريم لغير المتطهرين ، محمد علي بن حسين المالكي ص17، مكة المكرمة : المطبعة السلفية 1352هـ .

د/ ربيع أحمد يقول...

مناقشة الدليل الثالث :
دعوى الإجماع غير متيقن ، بدليل وجود المخالف من التابعين ومن بعدهـم[1] وقد روى عن ابن عباس[2] خلاف ذلك فكــيف يقال إن هناك إجماعاً سكوتياً ؟! ولو سلمنا بأن هناك إجماعاً سكوتياً فليس بحجة ؛لأنه لا ينسب لساكت قول ، ولا نتقول على أحد قولاً لم يقله فالْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ َْهُوَ ْقَوْلُ مِنْ بَعْضِ العلماء وَسُكُوتُ الْبَاقِينَ بَعْدَ انْتِشَارِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَظْهَرَ مَعَهُمْ اعْتِرَافٌ أَوْ رِضًا بِهِ فقال قَوْمٌ : إذَا انْتَشَرَ وَسَكَتُوا ، فَسُكُوتُهُمْ كَالنُّطْقِ حَتَّى يَتِمَّ بِهِ الْإِجْمَاعُ ، وهذا ْقَوْلُ أحمد بن حنبل وأكثر أصحاب أبي حنيفة وبعض أصحاب الشافعي والجبائي إلى أنه إجماع وحجة لكن من هؤلاء من شرط في ذلك انقراض العصر كالجبائي.. ، وَقَالَ قَوْمٌ : هُوَ حُجَّةٌ وَلَيْسَ بِإِجْمَاعٍ ، ،وهوقول أبى هاشم وَقَالَ قَوْمٌ : لَيْسَ بِحُجَّةٍ ،وَلَا إجْمَاعٍ حُكِيَ عَنْ دَاوُد وَابْنِهِ ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّرِيفُ الْمُرْتَضَى ، وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الْمَصَادِرِ " ، وَعَزَاهُ جَمَاعَةٌ إلَى الشَّافِعِيِّ ، مِنْهُمْ الْقَاضِي ، وَاخْتَارَهُ ، وَقَالَ : إنَّهُ آخِرُ أَقْوَالِهِ ، وَلِهَذَا قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمَنْخُولِ " ، وَالْإِمَامُ الرَّازِيَّ ، وَالْآمِدِيَّ : إنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْجَدِيدِ . وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ : إنَّهُ ظَاهِرُ مَذْهَبِهِ ، وَلِهَذَا قَالَ : وَلَا يُنْسَبُ إلَى سَاكِتٍ قَوْلٌ ،أى لَا يُنْسَبُ إلَى سَاكِتٍ تَعْيِينُ قَوْلٍ ؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ يَحْتَمِلُ التَّصْوِيبَ ، أَوْ لِتَسْوِيغِ الِاجْتِهَادِ أَوْ الشَّكِّ ، فَلَا يُنْسَبُ إلَيْهِ تَعْيِينٌ ، وَإِلَّا فَهُوَ قَائِلٌ بِأَحَدِ هَذِهِ الْجِهَـاتِ قَطْعًا ، ثُمَّ هَذَا بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ ، أَعْنِي أَنْ لَا يُنْسَبَ إلَى سَاكِتٍ قَوْلٌ إلَّا بِدَلِيلِ عَلَى أَنَّ سُكُوتَهُ كَالْقَوْلِ أَوْ حَقِيـقَةٍ ؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ عَدَمٌ مَحْضٌ ، وَالْأَحْكَامُ لَا تُسْتَفَادُ مِنْ الْعَدَمِ




[1] - انظر : المحلى 1/83 .
[2] - الجامع لأحكام القرآن للقرطبى 17/226 ، نيل الأوطار للشوكانى 1/261 .

د/ ربيع أحمد يقول...

تابع :مناقشة الدليل الثالث :
والراجح من أقوال العلماء هو القول الثالث لقوة أدلته ،وضعف أدلة المخالفين ، وممن نصر هذا الرأى الغزالى فى المستصفى فقال : وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ فَتْوَاهُ إنَّمَا تُعْلَمُ بِقَوْلِهِ الصَّرِيحِ الَّذِي لَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ احْتِمَالٌ وَتَرَدُّدٌ ، وَالسُّكُوتُ مُتَرَدِّدٌ فَقَدْ يُسْكَتُ مِنْ غَيْرِ إضْمَارِ الرِّضَا لِسَبْعَةِ أَسْبَابٍ : الْأَوَّلُ : أَنْ يَكُونَ فِي بَاطِنِهِ مَانِعٌ مِنْ إظْهَارِ الْقَوْلِ ،وَنَحْنُ لَا نَطَّلِعُ عَلَيْهِ ، وَقَدْ تَظْهَرُ قَرَائِنُ السُّخْطِ عَلَيْهِ مَعَ سُكُوتِهِ. الثَّانِي : أَنْ يَسْكُتَ ؛ لِأَنَّهُ يَرَاهُ قَوْلًا سَائِغًا لِمَنْ أَدَّاهُ إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ مُوَافِقًا عَلَيْهِ بَلْ كَانَ يَعْتَقِدُ خَطَأَهُ .
الثَّالِثُ : أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ فَلَا يَرَى الْإِنْكَارَ فِي الْمُجْتَهَدَاتِ أَصْلًا ،وَلَا يَرَى الْجَوَابَ إلَّا فَرْضَ كِفَايَةٍ ، فَإِذَا كَفَاهُ مَنْ هُوَ مُصِيبٌ سَكَتَ ، وَإِنْ خَالَفَ اجْتِهَادَهُ .
الرَّابِعُ : أَنْ يَسْكُتَ ،وَهُوَ مُنْكِرٌ لَكِنْ يَنْتَظِرُ فُرْصَةَ الْإِنْكَارِ ،وَلَا يَرَى الْبِدَارَ مَصْلَحَةً لِعَارِضٍ مِنْ الْعَوَارِضِ يَنْتَظِرُ زَوَالَهُ ثُمَّ يَمُوتُ قَبْلَ زَوَالِ ذَلِكَ الْعَارِضِ أَوْ يَشْتَغِلُ عَنْهُ .
الْخَامِسُ : أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ لَوْ أَنْكَرَ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ وَنَالَهُ ذُلٌّ وَهَوَانٍ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي سُكُوتِهِ عَنْ إنْكَارِ الْعَوْلِ فِي حَيَاةِ عُمَرَ كَانَ رَجُلًا مَهِيبًا فَهِبْتُهُ . السَّادِسُ : أَنْ يَسْكُتَ ؛ لِأَنَّهُ مُتَوَقِّفٌ فِي الْمَسْأَلَةِ ؛ لِأَنَّهُ بَعْدُ فِي مُهْلَةِ النَّظَرِ .
السَّابِعُ : أَنْ يَسْكُتَ لِظَنِّهِ أَنَّ غَيْرَهُ قَدْ كَفَاهُ الْإِنْكَارَ وَأَغْنَاهُ عَنْ الْإِظْهَارِ ثُمَّ يَكُونُ قَدْ غَلِطَ فِيهِ فَتَرَكَ الْإِنْكَارَ عَنْ تَوَهُّمٍ ؛إذْ رَأَى الْإِنْكَارَ فَرْضَ كِفَايَةٍ وَظَنَّ أَنَّهُ قَدْ كُفِيَ وَهُوَ مُخْطِئٌ فِي وَهْمِهِ.
فَإِنْ قِيلَ : لَوْ كَانَ فِيهِ خِلَافٌ لَظَهَرَ . قُلْنَا : وَلَوْ كَانَ فِيهِ وِفَاقٌ لَظَهَرَ ، فَإِنْ تُصُوِّرَ عَارِضٌ يَمْنَعُ مِنْ ظُهُورِ الْوِفَاقِ تُصُوِّرَ مِثْلُهُ فِي ظُهُورِ الْخِلَافِ . وَبِهَذَا يَبْطُلُ قَوْلُ الْجُبَّائِيُّ حَيْثُ شَرَطَ انْقِرَاضَ الْعَصْرِ فِي السُّكُوتِ ؛ إذْ مِنْ الْعَوَارِضِ الْمَذْكُورَةِ مَا يَدُومُ إلَى آخِرِ الْعَصْرِ . أَمَّا مَنْ قَالَ : هُوَ حُجَّةٌ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إجْمَاعًا ، فَهُوَ تَحَكُّمٌ ؛ لِأَنَّهُ قَوْلُ بَعْضِ الْأُمَّةِ ، وَالْعِصْمَةُ إنَّمَا تَثْبُتُ لِلْكُلِّ فَقَطْ . فَإِنْ قِيلَ : نَعْلَمُ قَطْعًا أَنَّ التَّابِعِينَ كَانُوا إذَا أَشْكَلَ عَلَيْهِمْ مَسْأَلَةٌ فَنُقِلَ إلَيْهِمْ مَذْهَبُ بَعْضِ الصَّحَابَةُ مَعَ انْتِشَارِهِ وَسُكُوتِ الْبَاقِينَ كَانُوا لَا يُجَوِّزُونَ الْعُدُولَ عَنْهُ ، فَهُوَ إجْمَاعٌ مِنْهُمْ عَلَى كَوْنِهِ حُجَّةً . قُلْنَا : هَذَا إجْمَاعٌ غَيْرُ مُسَلَّمٍ ، بَلْ لَمْ يَزَلْ الْعُلَمَاءُ مُخْتَلَفِينَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، وَيَعْلَمُ الْمُحَصِّلُونَ أَنَّ السُّكُوتَ مُتَرَدِّدٌ ، وَأَنَّ قَوْلَ بَعْضِ الْأُمَّةِ لَا حُجَّةَ فِيه[1]ِ ا.هـ



[1] - المستصفى للغزالى 1/381- 382

د/ ربيع أحمد يقول...

تابع : مناقشة الدليل الثالث :
وقال ابن القيم : أصُولٍ : [ أُصُولُ فَتَاوَى أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ ] أَحَدُهَا : النُّصُوصُ ، فَإِذَا وَجَدَ النَّصَّ أَفْتَى بِمُوجَبِهِ ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَى مَا خَالَفَهُ وَلَا مَنْ خَالَفَهُ كَائِنًا مَنْ كَانَ ، وَلِهَذَا لَمْ يَلْتَفِتْ إلَى خِلَافِ عُمَرَ فِي الْمَبْتُوتَةِ لِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ ، وَلَا إلَى خِلَافِهِ فِي التَّيَمُّمِ لِلْجُنُبِ لِحَدِيثِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ ، وَلَا خِلَافِ فِي اسْتِدَامَةِ الْمُحْرِمِ الطِّيبَ الَّذِي تَطَيَّبَ بِهِ قَبْلَ إحْرَامِهِ لِصِحَّةِ حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي ذَلِكَ ، وَلَا خِلَافِهِ فِي مَنْعِ الْمُفْرِدِ وَالْقَارِنِ مِنْ الْفَسْخِ إلَى التَّمَتُّعِ لِصِحَّةِ أَحَادِيثِ الْفَسْخِ ، وَكَذَلِكَ لَمْ يَلْتَفِتْ إلَى قَوْلِ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ وَطَلْحَةَ وَأَبِي أَيُّوبَ وَأُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ فِي الْغُسْلِ مِنْ الْإِكْسَالِ لِصِحَّةِ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهَا فَعَلَتْهُ هِيَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاغْتَسَلَا ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ عِدَّةَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا الْحَامِلُ أَقْصَى الْأَجَلَيْنِ ؛ لِصِحَّةِ حَدِيثِ سُبَيْعَةَ الْأَسْلَمِيَّةِ ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَى قَوْلِ مُعَاذٍ وَمُعَاوِيَةَ فِي تَوْرِيثِ الْمُسْلِمِ مِنْ الْكَافِرِ لِصِحَّةِ الْحَدِيثِ الْمَانِعِ مِنْ التَّوَارُثِ بَيْنَهُمَا ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الصَّرْفِ لِصِحَّةِ الْحَدِيثِ بِخِلَافِهِ ، وَلَا إلَى قَوْلِهِ بِإِبَاحَةِ لُحُومِ الْحُمُرِ كَذَلِكَ ، وَهَذَا كَثِيرٌ جِدًّا ، وَلَمْ يَكُنْ يُقَدِّمُ عَلَى الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَمَلًا وَلَا رَأْيًا وَلَا قِيَاسًا ،وَلَا قَوْلَ صَاحِبٍ ،وَلَا عَدَمَ عِلْمِهِ بِالْمُخَالِفِ الَّذِي يُسَمِّيهِ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ إجْمَاعًا وَيُقَدِّمُونَهُ عَلَى الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ ، وَقَدْ كَذَّبَ أَحْمَدُ مَنْ ادَّعَى هَذَا الْإِجْمَاعَ ، وَلَمْ يَسِغْ تَقْدِيمَهُ عَلَى الْحَدِيثِ الثَّابِتِ ، وَكَذَلِكَ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا نَصَّ فِي رِسَالَتِهِ الْجَدِيدَةِ عَلَى أَنَّ مَا لَا يُعْلَمُ فِيهِ بِخِلَافٍ لَا يُقَال لَهُ إجْمَاعٌ ، وَلَفْظُهُ : مَا لَا يُعْلَمُ فِيهِ خِلَافٌ فَلَيْسَ إجْمَاعًا . وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ : سَمِعْت أَبِي يَقُولُ : مَا يَدَّعِي فِيهِ الرَّجُلُ الْإِجْمَاعَ فَهُوَ كَذِبٌ ، مَنْ ادَّعَى الْإِجْمَاعَ فَهُوَ كَاذِبٌ ، لَعَلَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا ، مَا يُدْرِيهِ ، وَلَمْ يَنْتَهِ إلَيْهِ ؟ فَلْيَقُلْ : لَا نَعْلَمُ النَّاسَ اخْتَلَفُوا ، هَذِهِ دَعْوَى بِشْرٍ الْمَرِيسِيِّ وَالْأَصَمِّ ، وَلَكِنَّهُ يَقُولُ : لَا نَعْلَمُ النَّاسَ اخْتَلَفُوا ، أَوْ لَمْ يَبْلُغْنِي ذَلِكَ ، هَذَا لَفْظُهُ وَنُصُوصُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجَلُّ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَسَائِرِ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ مِنْ أَنْ يُقَدِّمُوا عَلَيْهَا تَوَهُّمَ إجْمَاعٍ مَضْمُونُهُ عَدَمُ الْعِلْمِ بِالْمُخَالِفِ ، وَلَوْ سَاغَ لَتَعَطَّلَتْ النُّصُوصُ ، وَسَاغَ لِكُلِّ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ مُخَالِفًا فِي حُكْمِ مَسْأَلَةٍٍ أَنْ يُقَدِّمَ جَهْلُهُ بِالْمُخَالِفِ عَلَى النُّصُوصِ ؛ فَهَذَا هُوَ الَّذِي أَنْكَرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ مِنْ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ ، لَا مَا يَظُنُّهُ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُ اسْتِبْعَادٌ لِوُجُودِهِ فَصْلٌ . [ الْأَصْلُ الثَّانِي فَتَاوَى الصَّحَابَةِ ] الْأَصْلُ الثَّانِي مِنْ أَصْلِ فَتَاوَى الْإِمَامِ أَحْمَدَ : مَا أَفْتَى بِهِ الصَّحَابَةُ ، فَإِنَّهُ إذَا وَجَدَ لِبَعْضِهِمْ فَتْوَى لَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْهُمْ فِيهَا لَمْ يَعُدْهَا إلَى غَيْرِهَا ، وَلَمْ يَقُلْ إنَّ ذَلِكَ إجْمَاعٌ ، بَلْ مِنْ وَرَعِهِ فِي الْعِبَارَةِ يَقُولُ : لَا أَعْلَمُ شَيْئًا يَدْفَعُهُ ، أَوْ نَحْوَ هَذَا ، كَمَا قَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ لَا أَعْلَمُ شَيْئًا يَدْفَعُ قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَحَدَ عَشَرَ مِنْ التَّابِعِينَ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى تَسَرِّي الْعَبْدِ ، وَهَكَذَا قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ : لَا أَعْلَمُ أَحَدًا رَدَّ شَهَادَةَ الْعَبْدِ ، حَكَاهُ عَنْهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ، وَإِذَا وَجَدَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ هَذَا النَّوْعَ عَنْ الصَّحَابَةِ لَمْ يُقَدِّمْ عَلَيْهِ عَمَلًا وَلَا رَأْيًا وَلَا قِيَاسًا[1] ا.هـ


[1] - إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم 1/35- 36

د/ ربيع أحمد يقول...

تابع : مناقشة الدليل الثالث :
قال ابن حزم : وهذا مالك: يفتي بالشفعة في الثمار ويقول - إثر فتياه به - وإنه لشئ ما سمعته ولا بلغني أن أحد قاله: فهذا مالك لم ير القول بما لم يسمع عن أحد قال به خلافا للإجماع، كما يدعي هؤلاء الذين لا معنى لهم، وهذا الشَّافِعِيُّ يقول في رسالته المصرية، ما لا يعلم فيه خلاف فليس إجماعا . قال حمام بن أحمد، ويحيى بن عبد الرحمن بن مسعود قال حمام: نا عباس بن أصبغ، وقال يحيى: نا أحمد بن سعيد بن حزم، ثم اتفق عباس وأحمد قالا جميعا، نا محمد بن عبد الملك بن أيمن، نا عبد الرحمن بن حنبل ، قال : سمعت أبي يقول: ما يدعي فيه الرجل الإجماع هو الكذب، من ادعى الإجماع فهو كذاب لعل الناس قد اختلفوا ما بد به ؟ ولم ينتبه إليه فليقل: لا نعلم الناس اختلفوا، دعوى بشر المريسي والأصم، ولكن يقول: لا نعلم الناس اختلفوا، أو لم يبلغني ذلك. قال أبو محمد: صدق أحمد ولله دره، وبئس القدوة بشر بن عتاب المريسي، وعبد الرحمن بن كيسان الأصم، ولعمري إنهما لمن أول من هجم على هذه الدعوى، وهما المرآن يرغب قولهما، نا يوسف بن عبد الله النمري ، نا عبيد الله بن محمد، نا الحسن بن سلمون، نا عبد الله بن علي بن الجارود، نا إسحاق بن منصور، قال : سمعت إسحاق بن إبراهيم - هو ابن راهويه وقد ذكر له قول أحمد بن حنبل في مسألة فقال إسحاق: أجاد، لقد ظننت أن أحداً لا يتابعني عليها ، فهذا إسحاق لا ينكر القول بما يقع في تقديره أنه لا يتابعه أحد عليه، إذا رأى الحق فيما قاله به من ذلك. قال أبو إسحاق : فهؤلاء الصحابة والتابعون، ثم أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وداود، كلهم يوجب القول بما أداه إليه اجتهاده أنه الحق ، وألا يعلم قائلا به قبله، فبمن تعلق هؤلاء القوم ؟ ليت شعري بل بالمريسي والأصم، كما قال أَحْمَدُ رحمه الله قال أبو محمد: ولئن كان ما اشتهر من قول طائفة من الصحابة أو التابعين ، ولم يعرف له خلاف - إجماعاً فيما في الأرض أشد خلافا للإجماع ممن قلدوه دينهم مالك والشافعي، وأبي حنيفة، ولقد أخرجنا له مئين من المسائل ليس منها مسألة إلا ولا يعرف أحد قال بذلك القول قبل الذي قال من هؤلاء الثلاثة فبئس ما وسموا به من قلدوه دينهم. وقد ذكر محمد بن جرير الطبري أنه وجد للشافعي أربعمائة مسألة خالف فيها الإجماع. وهكذا القول حرفاً حرفاً في أقوال ابن أبي ليلى، وسفيان والأوزاعي وزفر وأبي يوسف ومحمد بن الحسن والحسن بن زيادة وأشهب وابن الماجشون والمزني وأبي ثور وأحمد وإسحاق وداود ومحمد بن جرير، ما منهم أحد إلا وقد صحت عنه أقوال في الفتيا لا يعلم أحد من العلماء قالها قبل ذلك القائل ممن سمينا . وأكثر ذلك فيما لا شك في انتشاره واشتهاره . ثم ليعلموا أن كل فتيا جاءت عن تابع لم يرو عن صاحب في تلك المسألة قول، فإن ذلك التابع قال فيها بقول ، ولا يعرف أن أحدا قاله، فالتابعون على هذا القول الخبيث مخالفون للإجماع كلهم أو أكثرهم ، ومخالف الإجماع عند هؤلاء الجهال كافر، فالتابعون على قولهم كفار، ونعوذ بالله العظيم من كل قول أدى إلى هذا . واعلموا أن الذي يدعي ، ويقطع بدعـوى الإجماع في مثل هذا ، فإنه من أجهل الناس بأقوال الناس واختلافهم. وحسبنا الله ونعم الوكيل، فظهر كذب من ادعى أن ما لا يعرف فيه خلاف فهو إجماع ، وبالله تعالى التوفيق[1].




[1] - - الإحكام لابن حزم 4/542- 543

د/ ربيع أحمد يقول...

الدليل الرابع :
أن القـول بتحريم المس ناقل عن الأصل ، وقد ذهب أكثر الأصــوليين إلى أن الدليل الناقل عن الأصل مقدم على الدليل المبقي على البراءة الأصلية[1].

مناقشة الدليل الرابع :
هذا لوكان ما استدل به المانعون استدلالاً صحيحاً ،وأدلة المانعــون إما صحيحة غير صريحة أو مختلف فى صحتها غير صريحة أيضاً .


[1] - انظر روضة الناظر وجنة المناظر، موفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة 2/401،تحقيق : د. شعبان محمد إسماعيل ، بيروت مؤسسة الرياض للطباعة والنشر والتوزيع الطبعة الأولى 1419هـ/1998م

د/ ربيع أحمد يقول...

الفصل الثالث : دليل المجيزين مس المصحف بغير طهارة :
استصحاب البراءة الأصلية فالدليل أنه لا دليل على إيجاب الطهارة لمس المصحف فلم يثبت النهي عن مس المصـحف بلا طهارة لا في الكتاب ، ولا في السنة فيبقى الحكم على البراءة الأصلية، وهي الإباحة[1] وغاية حجتــهم فى حديث عمرو بن حزم الذى اختلف فى صحته ، وهو يدل على أن الطاهر من الشرك لا يمس المصحف كما في قوله تعالى :﴿ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ﴾ [التوبة من الآية28 ] ، ولحديث النهي عن السفر بالقـرآن إلى أرض العدو ، ولا يدل على أن الطاهر من الحدثين لا يمس المصحف لقوله r : ‏(( ‏المؤمن لا ينجس‏)) متفق عليه ؛لأن الطاهر من ليس بنجس ،والمؤمن ليس بنجس دائمًافلا يصح حمل الطاهر على من ليس بجنب أو حائض أو محدث أو متنجس بنجاسة عينية بليتعين حمله على من ليس بمشرك .




[1] - انظر : المجموع للنووي 1/79 .

د/ ربيع أحمد يقول...

الفصل الرابع : الرأي الراجح :
الوضوء لمس المصحف غير واجب فما استدل به الجمهور إما دليل فاقد الصـحة كدعوى بعضهم إجمـاع الصحابة على إيجاب الطهارة لمس المصحف أودليل فاقد الدلالة ، وهـو استدلالهم بالآية الكريمة أو دليل مـختلف فى صحته ،وهو حديث عمرو بن حزم الذى اختلف فى صحته ، وغاية ما يدل عليه احتمال إيجاب الطهارة لمس المصحـــف ، ومع الاحتمال يسقط الاستدلال ، ومن أنصار هذا القــول من المعاصرين أبو مالك كمال بن السيد سالم فى كتابه صــحيح فقه السنة الجزء الأول وأ.د / حسام الدين موسى أستاذ الفـــقه والأصول كلية الدعوة وأصـول الدين بجامعة الـقدس فى كتابه يسألونك الجزء التاسع فى حكم قـــراءة الحائض للقرآن الكريم ومسها للمصحف الشريف ، ونحـن مع قولنا بعدم إيجاب الوضوء لمس المصـحف فإنا نقول بفضيلة الطهارة لمس المصحف ؛ من باب تعظيم القرآن وتكريمه، فإن الله U وصف القــــرآن بأنه كريم ،فالأليق بتعظيمه وتكريمه الطهارة لمسه ،وليس هذا على الوجوب بل الاستحباب.

د/ ربيع أحمد يقول...

الفصل الخامس : نتيجة البحث جواز مس الحائض والجنب القرآن :
أخى القارىء بترجيح قول من جوز مس المصحف بلا طهارة فيجوز مس الحائض والجنب القرآن إذا سلم من وجود نص صحيح صريح خاص به ، وقد توهم البعض ثبوت الإجماع على حرمة مس الحائض والجنب القرآن ،وقالوا بأن المخالف هو داود الظاهرى ،وخلاف الواحد لايخرق الإجماع ،واستند بعضهم لقول النووى رحمه الله فى المجموع : والمختار عند الاصوليين أن داود لا يعتد به في الإجماع والخلاف[1] ، واستند بعضهم لقول ابن قدامة: وَلَا يَمَسُّ الْمُصْحَفَ إلَّا طَاهِرٌ يَعْنِي طَاهِرًا مِنْ الْحَدَثَيْنِ جَمِيعًا . رُوِيَ هَذَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَالْحَسَنِ وَعَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَالشَّعْبِيِّ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ ، وَلَا نَعْلَمُ مُخَالِفًا لَهُمْ إلَّا دَاوُد فَإِنَّهُ أَبَاحَ مَسَّهُ[2] ،واستند بعضهم أيضاً لقول الشوكانى: وَقَدْ وَقَعَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُحْدِثِ حَدَثًا أَكْبَرَ أَنْ يَمَسَّ الْمُصْحَفَ ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ دَاوُد[3] ، وقال بعضهم قول داود شاذ ،فقد قال صاحب مواهب الجليل فى مس الحائض المصحف : عَدَّهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ فَقَالَ : الْخَامِسُ مَسُّ الْمُصْحَفِ وَفِي ذَلِكَ اخْتِلَافٌ شَاذٌّ فِي غَيْرِ الْمَذْهَبِ[4] وهذه مسألة خلافية ليس فيها إجماع فقد اختلف العلماء فى مس الحائض والجنب القرآن فجل العلماء يقولون بعدم الجواز ، وخالف في ذلك داود الظاهري[5] وتابعه على القول به أهل الظاهر[6] فالمسألة غير مجمع عليها كما يظن البعض ،وليس داود رحمه الله هو الذى انفرد بهذا القول فقد تابعه أهل الظاهر




[1]- المجموع 3/ 357
[2]- المغنى لابن قدامة 1/256
[3]- نيل الأوطار 2/ 26
[4]- مواهب الجليل شرح الخليل 3 /134 فصل فى بيان حكم الحيض والنفاس
[5] - الإفصاح عن معاني الصحاح ليحيى بن محمد بن هبيرة 1/ 76 الرياض : المؤسسة السعودية ؛ المغني ، /147، رحمة الأمة في اختلاف الأئمة ، محمد بن عبد الرحمن الدمشــــقي العثماني الشافعي ، ص 21 عني بطبعه : عبد الله بن إبراهيم الأنصاري ، قطر : مطابع قطر الوطنية ، 1401هـ /1981م.
؛ نيل الأوطار1/260، موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي 2/878، سعدي أبو جيب ، بيروت : دار العربية للطباعة والنشر.
[6] - المحلى 1/77دار الآفاق الجديدة بيروت تحقيق دارإحياء التراث العربى

د/ ربيع أحمد يقول...

تابع الفصل الخامس :
وإليك بعض النقولات عن العلماء التى تبين أن فى المسألة خلاف : قال محمد بن المنذر النيسابورى : اختلف أهل العلم في مس الحائض والجنب المصحف فكره كثير منهم ذلك منهم ابن عمر[1] وقال أيضاً: ورخص بعض من كان في عصرنا للجنب والحائض في مس المصحف ولبس التعويذ ومس الدراهم والدنانير التي فيها ذكر الله تعالى[2] ،وقال ابن بطال : وقال جمهور العلماء: لا يمس المصحف حائض ولا جنب، ولا يحمله إلا طاهر غير محدث[3] ،وقال ابن رجب: منع المحدث مِن مس المصحف ، وسواء كانَ حدثه حدثاً أكبر ، وَهوَ مِن يجب عليهِ الغسل ، أو أصغر ، وَهوَ مِن يجب عليهِ الوضوء . هَذا قول جماهير العلماء ، وروي ذَلِكَ عَن علي وسعد وابن عمر وسلمان ، ولا يعرف لَهُم مخالف مِن الصحابة ، وفيه أحاديث عَن النبي - صلى الله عليه وسلم - متصلة ومرسلة . وخالف في ذَلِكَ أهل الظاهر[4] . وفى إجابة اللجنة الدائمة عن السؤال الثانى من الفتوى رقم 557 : يجوز لمن استجمر ،ولم يتوضأ أن يقرأ القرآن إذا لم يكن جنبًا مدرسًا أو طالبًا، لكن قراءته على وضوء أفضل، أما مس المصحف فلا يجوز عند جمهور العلماء إلا لمتطهر من الحدثين الأكبر والأصغر ،وقالت أيضاً فى الفتوى رقم 3713 : لا يجوز للحائض مس المصحف عند جمهور العلماء ،وقال الشيخ عطية صقر فى فتاوى الأزهر باب الطهارة لمس المصحف : حمل المصحف أو مسه للحائض والجنب أدلة تحريمه لم تسلم من المناقشة ، واحتراما للمصحف يكون حمله أو مسه لغير المتطهر مكروها على الأقل ، هذا فى حال الجنابة ، أما إذا كان هناك حدث أصغر فالحكم كما يلى :
1 - جمهور العلماء على حرمة مس المصحف وحمله ، وذهب إليه مالك والشافعى وأبو حنيفة فى إحدى الروايتين عنه ، وأدلتهم هى الأدلة السابقة بالنسبة للجنب .
2 - جوز بعض العلماء ذلك ، وذهب إليه أبو حنيفة فى إحدى الروايتين عنه ، كما جوزه داود بن على ا.هـ



[1] - الأوسط 2 / 101 دار طيبة مدينة الرياض 1405 هـ الطبعة الأولى د.صغير أحمد محمد حنيف
[2]- المصدر السابق 2/ 103
[3] - شرح البخارى لابن بطال 1/ 450
[4]- فتح البارى لابن رجب 2/ 81

د/ ربيع أحمد يقول...

تابع الفصل الخامس :
ومادام فى المسألة خلاف ،ولو من عالم فالمسألة غير مجمع عليها ،فعلماء الأصــــول قد عرفوا الإجماع بأنه اتفاق مجتهدي هذه الأمة بعد النبي r على حكم شرعيفخرج بقولهم: (اتفاق) ؛ وجود خلاف ولو من واحد، فلا ينعقد معه الإجماع .وخرج بقولهم : (مجتهدي) ؛ العوام والمقلدون، فلا يعتبر وفاقهم ولا خلافهم وخرج بقولهم: (هذه الأمة) ؛ إجماع غيرها فلا يعتبر. وخرج بقولهم: (بعد النبي r ) ؛ اتفاقهم في عهد النبي r فلا يعتبر إجماعاً من حيث كونه دليلاً، لأن الدليل حصل بسنة النبي r من قـول أو فعل أو تقرير، ولذلك إذا قال الصحابي: كنا نفعل، أو كانوا يفعلون كذا على عهد النبي r؛ كان مرفوعاً حكماً، لا نقلاً للإجماع. وخرج بقولهم : (على حكم شرعي) ؛ اتفاقهم على حكم عقلي، أو عادي فلا مدخل له هنا، إذ البحث في الإجماع كدليل من أدلة الشرع ،ومن يقول خلاف الواحد والاثنين لايخرق الإجماع فقوله ليس بصواب فالله سبحانه إنما أخبر عن عصمة الأمةعند الاجتماع فدل على جواز الخطأ على بعضهم‏فقد قال تعالى :﴿وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً ﴾النساء115 ولا شك أن مشاقة الرسول وحدها موجبة للعذاب فما دام أن الله جمع لذلك أيضاً اتباع غير سبيل المؤمنين دل ذلك على أن هذا موجب للعذاب أيضاً ، فلو كان اتباع غير سبيل المؤمنين مباحاً لما جمع بينه وبين المحظور كما لا يجوز أن يقال إن زنيت وشربت الماء عاقبتك فثبت أن متابعة غير سبيل المؤمنين محظورة ،ومتابعة غير سبيل المؤمنين عبارة عن متابعة قول أو فتوى غير قولهم وفتواهم ،وإذا كانت تلك محظورة وجب أن تكون متابعة قولهم وفتواهم واجبة ضرورة أنه لا خروج من القسمين وكلمة سبيل لاتتأتى إلا فيما أجمعوا عليه أما الذى اختلفوا فيه فليس سبيل بل سبل،فالأمة معصومة باجتماعها فقط ،والكثرة لاحجة فيها بدليل قوله سبحانه وتعالى : ﴿ وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ ﴾ الأنعام من الآية 116ويقول أيضاً :﴿ وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ﴾ يوسف آية 103 ،وقال r : (( بدأ الإسلام غريباً، وسيعود غريباً كم بدأ ؛ فطوبى للغرباء )) رواه مسلم ، فهذا الحديث دليل على قلة أهل الحق فالكثرة ليست دليلآ قاطعاً على الصواب ،ومع احتمال خطأ الكثرة يسقط الاستدلال بها،وقد دل القرآن والسنة على عدم اعتبار الكثرة فى الدلالة على الصواب فإن قيل اتفاق الأكثرين يشعر بأن الحق معهم فيندر فى العادة أن يكون المخالف هو الراجح قلنا ليس هذا نادراً فقد دل القرآن والسنة على التزام الحق ،وإن خالف الأكثرون ، ولذلك لا يكون قول الأكثرين أولى بالإتباع، لأن الترجيح بالكثرة، ،وإن كان حقا في باب رواية الأخبار لما فيه من ظهور أحد الظنين على الآخر، فلا يلزم مثله في باب الاجتهاد، لما فيه من ترك ما ظهر له من الدليل لما لم يظهر له فيه دليل، أو ظهر، غير أنه مرجوح في نظره.

د/ ربيع أحمد يقول...

تابع الفصل الخامس :
وقول من جوز الإجماع مع مخالفة الواحد والاثنين فاسد من وجوه :
الأول : الآية حرمت مخالفة سبيل المؤمنين ،وبوجود مخالف يكون هناك أكثر من سبيل فتنتفى الحرمة. الثانى :جرى فى عصر الصحابة خلاف الواحد منهم ،ولم ينكروا عليه بل سوغوا له الاجتهاد فيما ذهب إليه مع مخالفة الأكثر، ولو كان إجماع الأكثر حجة ملزمة للغير لأخذ به، لأنكروا على المخالف ،ولو أنكروا لنقل إلينا ذلك ،والمنقول عنهم الإقرارفدل هذا على أن إجماع الكثرة ليس بحجة، ومن ذلك اتفاق أكثر الصحابة على امتناع قتال ما نعي الزكاة مع خلاف أبي بكر لهم، وكذلك خلاف أكثر الصحابة لما انفرد به ابن عباس في مسألة العول وتحليل المتعة وأنه لا ربا إلا في النسيئة ،وكذلك خلافهم لابن مسعود فيما انفرد به في مسائل الفرائض، ولزيد بن أرقم في مسألة العينة، ولأبي موسى في قوله: النوم لا ينقض الوضوء، ولأبي طلحة في قوله بأن أكل البرد لا يفطر، إلى غير ذلك ،ولو كان إجماع الأكثر حجة، لبادروا بالإنكار والتخطئة، فإن قيل قد أنكروا على ابن عباس خلافه في ربا الفضل في النقود، وتحليل المتعة، والعول نقول بأن إنكار الصحابة على ابن عباس فيما ذهب إليه لم يكن بناء على إجماعهم واجتهادهم، بل بناء على مخالفة ما رووه له من الأخبار الدالة على تحريم ربا الفضل ونسخ المتعة، على ما جرت به عادة المجتهدين في مناظراتهم، والإنكار على مخالفة ما ظهر لهم من الدليل حتى يبين لهم مأخذ المخالفة فما وجد منهم من الإنكار في هذه الصور لم يكن إنكار تخطئة بل إنكار مناظرة في المأخذ، كما جرت عادة المجتهدين بعضهم مع بعض. الثالث :قالr: (( إن الله تعالى قد أجار أمتي أن تجتمع على ضلالة )) حديث حسن بمجموع طرقه فى صحيح الجامع رقم 1786،ولفظ الأمة عام يشمل كل الأمة ،ومن قال المراد غالب الأمة فقد أخرج اللفظ عن ظاهره ،وإخراج اللفظ عن ظاهره يحتاج لقرينة ، فالأمة معصومة فى اجتماعها لا فى آحادها ،وعلى هذا فالكثرة ليست دليلاً على الصواب فمَنْ يَقُولُ بِصِيغَةِ الْعُمُومِ يَحْمِلُ ذَلِكَ عَلَى الْجَمِيعِ ، وَلَا يَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِالتَّحَكُّمِ بَلْ بِدَلِيلٍ وَضَرُورَةٍ وَلَا ضَرُورَةَ هَهُنَا ، وَمَنْ لَا يَقُولُ بِهِ فَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْأَقَلَّ وَعِنْدَ ذَلِكَ لَا يَتَمَيَّزُ الْبَعْضُ الْمُرَادُ عَمَّا لَيْسَ بِمُرَادٍ وَلَا بُدَّ مِنْ إجْمَاعِ الْجَمِيعِ لَيُعْلَمَ أَنَّ الْبَعْضَ الْمُرَادَ دَاخِلٌ فِيهِ ، كَيْفَ وَقَدْ وَرَدَتْ أَخْبَارٌ تَدُلُّ عَلَى قِلَّةِ أَهْلِ الْحَقِّ. الرابع :قالr: (( إن الله لا يجمع أمتي أو قال أمة محمد r على ضلالة ويد الله مع الجماعة ومن شذ شذ إلى النار)) [ حديث صححه الألبانى فى جامع الترمذى رقم 2167 ] ،فقوله شذ يدل على أن العبرة بموافقة الجميع فالشاذِ عبَارَةٌ عَنْ الْخَارِجِ عَنْ الْجَمَاعَةِ بَعْدَ الدُّخُولِ فِيهَا ، وَمَنْ دَخَلَ فِي الْإِجْمَاعِ لَا يُقْبَلُ خِلَافُهُ بَعْدَهُ وَهُوَ الشُّذُوذُ ، أَمَّا الَّذِي لَمْ يَدْخُلْ أَصْلًا فَلَا يُسَمَّى شَاذًّا فالشاذ هو المخالف بعد الموافقة، لا من خالف قبل الموافقة فالمخالفة قبل الموافقة تقتضى عدم الإجماع فلا حجة فى إجماع الأكثر مع مخالفة الواحد. الخامس: قوله تعالى : ﴿ ومَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إلَى اللَّهِ ﴾[ سورة الشورى من الآية 10] فدلت الآية أن عند الاختلاف يرد الحكم إلى الله أى أن قول أحد ليس حجة على أحد ،ومَفْهُومُهُ : أَنَّ مَا اتَّفَقْ المسلمون فِيهِ فَهُوَ حَقٌّ . السادس: قوله تعالى : ﴿ َفإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ ﴾[ سورة النساء من الآية 59] فدلت الآية أنه عندالاختلاف حتى وإن كان من واحد يرد الحكم إلى الكتاب والسنة أى ليس قول أحد حجة على أحد أما إذا اتفقوا فقولهم حق بدليل المخالفة . وانظر هذا الكلام النفيس لابن حزم : فصل في من قال بأن خلاف الواحد من الصحابة أو ممن بعدهم لا يعد خلافاً وأن قول من سواه فيمن خالفهم فيه إجماع قال أبو محمد: ذهب محمد بن جرير الطبري إلى أن خلاف الواحد لا يعد خلافاً، وحكى أبو بكر أحمد بن علي الرازي الحنفي : أن أبا حازم عبد العزيز بن عبد الحميد القاضي الحنفي فسخ الحكم بتوريث بيت المال ما فضل عن ذوي السهام وقال : إن زيد بن ثابت لا يعد خلافا على أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم. قال أبو محمد: فيقال لهم: ما معنى قولكم لا يعد خلافا ؟ أتنفون وجود خلاف ؟ فهذا كذب تدفعه المشاهدة والعيان، أم تقولون: إن الله تعالى أمركم ألاتسموه خلافا ؟ أو رسوله r أمركم بذلك ؟ فهذه شر من الأولى، لأنه كذب على الله تعالى وعلى رسوله r أم تقولون: إن قائل ذلك الخلاف من الضعة والسقوط في المسلمين - إما لفسقه وإما لجهله - بحيث لا يكون وجود قوله إلا كعدمه ففي هذا ما فيه، إذ ينزلون زيد بن ثابت أو ابن عباس أو غيرهما من التابعين الأئمة في هذه المنزلة. ولعمري إن من أنزل عالما - من الصحابة رضي الله عنهم أو من التابعين أو من أئمة المسلمين - هذه المنزلة لاحق بهذه الصفة وأولى بها، ولا يخرج قولكم من إحدى هذه الثلاث قبائح، إذ لا رابع لها. فإن قالوا: إنما قلنا: إنه خطأ وشذوذ قلنا : قد قدمنا أن كل من خالف أحداً فقد شذ عنه، وكل قول خالف الحق فهو شاذ عن الحق، فوجب أن كل خطأ فهو شذوذ عن الحق، وكل شذوذ عن الحق فهو خطأ، وليس كل خطأ خلافا للإجماع، فليس كل شذوذ خلافاً للإجماع ، ولا كل حق إجماعا، وإنما نكلمكم ههنا في قولكم: ليس خلافا، ولكون ما عداه إجماعا، فقد ظهر كذب دعواهم وفسادها ،والحمد لله رب العالمين[1] ا.هـ وممن قال بعدم انعقاد الإجماع مع مخالفة الواحد والاثنين الجمهور كالآمدى فى الإحكام[2] ،والرازى فى المحصول[3] والغزالى فى المستصفى [4] وأبو إسحاق الشيرازى فى اللمع[5] .
وبما أن مسألة مس الحائض والجنب القرآن مختلف فيها فالواجب علينا إتباع الدليل الصحيح من كتاب أو سنة فأقوال العلماء تعرض على الكتاب والسنة فيؤخذ بالقول الذى يوافق الكتاب والسنة ،ولا يلتفت للقول الذى يخالف الكتاب والسنة ،ولا يجوز التقليد فى خلاف الحق ،وأقوال العلماء التي لا تخالف القرآن والسنة أقوال يجوزمخالفتها لمن وجد أن غيرها أحسن منها ،ولا يعتبر مخالف القول الفقهى مخالفاً للدين بحال، إلا إذا كان هذا القول الفقهي مستنداً إلى استدلال صحيح من كتاب أو سنة صحيحة فتحرم مخالفته .




[1]- الإحكام لابن حزم 4/ 544- 545
[2]- الإحكام للآمدى 1/ 235- 239 علق عليه العلامة عبد الرزاق عفيفى المكتب الإسلامى مؤسسة النورالطبعة الأولى 1387 هـ
[3]- المحصول للرازى 4/ 181- 185 تحقيقد . طه جابر فياض العلواني مؤسسة الرسالة
[4]- المستصفى للغزالى 1/ 369- 371
[5]- اللمع للشيرازى 1/256

د/ ربيع أحمد يقول...

الأدلة
الأدلة الخاصة بمسألة مس الحائض والجنب المصحف ومناقشتها ،وهى فى قراءة الحائض والجنب القرآن فإذا ثبت الاستدلال بدليل صحيح صريح على حرمة قراءة الحائض والجنب القرآن فمن باب أولى حرمة المس ،و إلا فيبقى الحكم على البراءة الأصلية،وهو المطلوب إثباته :

الدليل الأول :
عن ابن عمر قال النبي r :" لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئاً من القرآن "
مناقشة الدليل الأول:
قال البيهقي: فيه نظر، قال محمد بن إسماعيل البخاري فيما بلغني عنه: إنما روى هذا إسماعيل بن عياش عن موسى بن عقبة، ولا أعرفه من حديث غيره، وإسماعيل منكر الحديث عن أهل الحجاز وأهل العراق ... وقد روي عن غيره عن موسى بن عقبة، وليس بصحيح وروي عن جابر ابن عبد الله من قوله في الجنب والحائض والنفساء وليس بقوي[1]. وعلق العلامة الألباني على كلام البيهقي السابق بقوله: قلت وهذا من روايته عن أهل الحجاز فهي ضعيفة، وقال العقيلي: قال عبد الله بن أحمد: قال أبي : هذا باطل أنكره على إسماعيل بن عياش، يعني أنه وهم من إسماعيل بن عياش ...[2]. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية عن الحديث السابق: وهو ضعيف باتفاق أهل المعرفة بالحديث[3].
وقال الشوكاني: الحديث في إسناده إسماعيل بن عياش وروايته عن الحجازيين ضعيفة وهذا منها. وذكر البزار أنه تفرد به عن موسى بن عقبة وسبقه إلى نحو ذلك البخاري وتبعهما البيهقي، لكن رواه الدارقطني من حديث المغيرة بن عبد الرحمن عن موسى، ومن وجه آخر وفيه مبهم عن أبي معشر وهو ضعيف عن موسى‏...وقال أبو حاتم‏: حديث إسماعيل بن عياش هذا خطأ وإنما هو من قول ابن عمر‏.‏ وقال أحمد بن حنبل ‏:‏ هذا باطل أنكر على إسماعيل بن عياش‏[4].



[1] - السنن الكبرى للبيهقي1/89
[2] - إرواء الغليل للألباني 1/207
[3] - مجموع فتاوى لشيخ الإسلام 21/460
[4] - نيل الأوطار للشوكاني ج1 ص251 دار الحديث 1421 هـ

د/ ربيع أحمد يقول...

الدليل الثاني :
عن علي t قال ‏:‏ ‏((‏ كان رسول اللَّه r يقضي حاجته ثم يخرج فيقرأ القرآن ويأكل معنا اللحم ،ولا يحجبه وربما قال لا يحجزه من القرآن شيء ليس الجنابة‏ ))‏‏ رواه الخمسة لكن لفظ الترمذي مختصر ‏:‏ (‏(‏ كان يقرئنا القرآن على كل حال ما لم يكن جنبًا )‏)‏ وقال :‏ حديث حسن صحيح ‏. الحديث أيضًا أخرجه ابن خزيمة و ابن حبان والحاكم والبزار والدارقطني والبيهقي وصححه أيضًا ابن حبان وابن السكن وعبد الحق والبغوي في شرح السنة ، ‏وقال ابن خزيمة‏ : ‏هذا الحديث ثلث رأس مالي ، وقال شعبة‏ :‏ ما أحدث بحديث أحسن منه فدل الحديث على أن الجنب لا يقرأ القرآن ، وبقياس الحائض على الجنب فالحائض لا تقرأ القرآن أيضاً ؛ لأن حدثها أغلظ من حدث الجنابة.

مناقشة الدليل الثانى :

قال الشافعي‏:‏ أهل الحديث لا يثبتونه‏.‏ قال البيهقي‏ :‏ إنما قال ذلك لأن عبداللَّه بن سلمة راويه كان قد تغير وإنما روى هذا الحديث بعد ما كبر قاله شعبة‏.‏وقال الخطابي‏:‏ كان أحمد يوهن هذا الحديث وقال النووي‏:‏ خالف الترمذي الأكثرونفضعفوا هذا الحديث وقد قدمنا من صححه مع الترمذي ‏.‏ وحكى البخاري عن عمرو بن مرةالراوي لهذا الحديث عنه أنه قال‏:‏ كان عبد اللَّه بن سلمة يحدثنا فنعرف وننكر[1]‏.‏
مناقشة الاستدلال :
الحديث ليس فيه ما يدل على التحريم ؛ لأن غايته أن النبي r تركالقرآن حال الجنابة ،ومثله لا يصلح متمسكًا للكراهة فكيف يستدل به على التحريم؟!‏ ولم يبين عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ إنَّمَا يَمْتَنِعُ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِمِنْ أَجْلِ الْجَنَابَةِ‏.‏ فالفعل لا يستلزم الوجوب وأيضاً الفعل لا يستلزم التحريم ،و الفعل بذاته لا يدل على التحريم ولاعلى الوجوب ،فبطل بذلك استدلالكم ويؤيد ذلك عموم حديث عائشة أن رسول اللَّه r : (‏(‏كان يذكر اللَّه على كل أحيانه‏)‏) رواه مسلم 373 أما ذهاب بعض العلماء إلى قياس الحيض و النفاس على الجنابة في حرمة قراءة القرآن ،وإن كان خلاف الصحيح فهوغير مسلّم ، بل الظاهر أنّ حكمهما مختلف لوجود الفارق بين الحالتين ، إذ يُفرَّقُ بين الجنابة و بين الحدث الأكبر الحاصل بالحيض والنفاس ، بكون رفع الجنابة مقدوراً عليه في كلّ وقت ، بخلاف ما يعرِض للمرأة من شئون النساء التي لا ترتفع إلا لأجل الله أعلم به فالجنب باختياره أن يزيل هذا المانع بالاغتسال، وأما الحائض فليس باختيارها أن تزيل هذا المانع، وكذا فإن الحائض مدتها تطول غالباً، والجنب مدته لا تطول ؛لأنه سوف تأتيه الصلاة، ويلزم بالاغتسال والنفساء من باب أولى أن يرخص لها ؛ لأن مدتها أطول من مدة الحائض .


[1]- المصدر السابق ص 250

د/ ربيع أحمد يقول...

الدليل الثالث :

قال عمر بن الخطاب t: (( لا يقرأ الجنب ولا الحائض القرآن )). رواه البيهقى فى سننه

مناقشة الاستدلال بالأثر :

هذا مخالف لما كان عليه النبى r ،وقول الصحابى يكون حجة ما لم يخالف نصاً على قول من يحتجون بقول الصحابى ، وقد خالف قول عمرو t ما ثبت عن النبى r ، و من ذلك حديث عائشة أن رسول اللَّه r : ‏(( ‏كان يذكر اللَّه على كل أحيانه‏))‏ رواه مسلم 373 ،وقول النبى r لعائشـة : (( أفعلي ما يفعل الحاج غيرأن لا تطوفى بالبيت )) رواه البخارى 1650 ومعلوم أن الحاج يذكرالله ، و يقرأ القرآن.

د/ ربيع أحمد يقول...

الدليل الرابع :

القول الثابت عن على t: (( لا يقرأ الجنب القرآن قالوا،ولا حرفً واحد قال ولا حرف واحد)).َ
مناقشة الاستدلال بالأثر :
هذا مخالف لما كان عليه النبى r ،وقول الصحابى يكون حجة ما لم يخالف نصاً على قول من يحتجون بقول الصحابى، وقد أخرج البخاري عن ابن عباس أنه لم ير في القراءة للجنب بأسًا وقد خالف قول على t ما ثبت عن النبى r ،ومن ذلك حديث عائشة أن رسول اللَّه r :‏ ( ‏كان يذكر اللَّه على كل أحيانه‏)‏ رواه مسلم 373 وقول النبى r لعائشة : أفعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفى بالبيت ) رواه البخارى 1650 و معلوم أن الحاج يذكر الله ، و يقرأ القرآن .

د/ ربيع أحمد يقول...

الدليل الخامس:

أن النبي r كان يبول و مر عليه رجل فسلم عليه فلم يرد النبي r فلما قضى حاجته ذهب إليه النبي r وقال إذا وجدتني على هذا الحال فلاتسلم علي. رواه أحمد

وجه الدلالة كما يقولون :
منع النبي r نفسه من أمر واجب وهوالسلام ؛ لأنه متلبس بنجاسة فكيف بالحائض التى تريد قراءة القرآن ؟


مناقشة الاستدلال :
هذا الحديث يوضحه حديث المهاجر بن قنفد أنه سلم على النبى r ، و هو يتوضأ فلم يرد عليه السلام حتى توضأ فرد عليه السلام ، وقال : ( إنه لم يمنعنى أن أرد عليك إلا أنى كرهت أن أذكر الله إلا على طهارة ) رواه أبو داود 17 والنسائى 1/16 وابن ماجة 350 فالحديث يدل على الكراهة لا التحريم . وبما أن قول جمهور الفقهاء فى مسألة مس الحائض والجنب القرآنة غير مستند إلى استدلال صحيح من كتاب أو سنة فهى إما صحيحة غير صريحة أو مختلف فى صحتها غير صريحة أيضاً ، أو صريحة ضعيفة فعلى هذا الراجح ما ذهب إليه الظاهرية لاستناده إلى الأصل ،وهو البراءة الأصلية ،وعدم وجود دليل صحيح صريح ناقل عن الأصل،ر وإيجاب الطهارة لمس المصحف حكم تكليفى لابد له من نص صريح يحسم مادة الخلاف ،وليس فى نصوص الشريعة أمر بالطهارة لمس المصحف بصيغة قاطعة الدلالة على الوجوب فمع الاحتمال يسقط الاستدلال .

د/ ربيع أحمد يقول...

الطهارة لمس المصحف مستحبة ،ولايوجد دليل صحيح صريح فى إيجابها ،وغاية الأدلة التى فيها الاستحباب من باب تعظيم المصحف ،وكما أنه فى السماء لايمسه إلا المطهرون فيستحب لمن فى الأرض أن يمسوه على الطهارة ،ومما ترتب على ذلك جواز مس الحائض والجنب المصحف ،وهذا رأى الظاهرية ،ومن المعاصرين أبو مالك كمال بن السيد سالم فى كتابه صــحيح فقه السنة الجزء الأول وأ.د / حسام الدين موسى أستاذ الفقه والأصول كلية الدعوة وأصـول الدين بجامعة الـقدس فى كتابه يسألونك الجزء التاسع هذا وبالله التوفيق ،والحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات. وكتب ربيع أحمد طب عين شمس - إمبابة - الأحد 29 رمضان سنة 1427 هـ 22 أكتوبر سنة 2006 مـ